عمرحلمي الغول
دولة الإستعمار الإسرائيلية في خطها البياني التصاعدي لتصفية القضية الفلسطينية وعملية السلام على حد سواء، تلجأ لإساليب منهجية مدروسة بعناية، وتنفذ خططها المرصودة لتحقيق الهدف المذكور من خلال شيطنة القضية الفلسطينية، وتهديم كل ركن من اعمدتها، وتشويه صورة الكفاح الوطني التحرري، وقلب الأمور رأسا على عقب، وتحيل الإيجابي إلى سلبي، والأبيض إلى أسود، والعكس صحيح، ويتم في السياق قلب المفاهيم والقوانين والمعايير، ونشر وعي ملوث بالعنصرية البغيضة، وإنتهاج سلوك إجرامي لفرض الإرهاب، وتكميم الأفواه، واستخدام العصا الغليظة لإبتزاز كل فعل وطني، أو حتى محايد، وتدفعه إلى متاهات ومنزلقات التحريم والتخويف تحت طائلة وسيف الجلاد الصهيوني.
العدو الصهيوني يراكم في خطين متوازيين تحقيق ما تبقى من مشروعه الإستعماري الأول خط إنتاج الخطط والمفاهيم والقوانين الخادمة له، والثاني خط التطبيق والترجمة لتلك المقولات والقوانين لترسيخ حقائق جديدة في واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والنتيجة إحداث تحول كيفي يؤصل لتكريس المشروع الصهيوني الإستعماري لتهويد واسرلة فلسطين التاريخية كلها، وبالمقابل نفي وتبديد المشروع الوطني الفلسطيني، وتحويله إلى “خرقة” بالية، غير ذات قيمة في اوساط جماهيره. لا سيما وان ردة الفعل الوطني لا تتناسب مع الفعل لا بالمقدار ولا بالقوة، وهو ما يترك ندوب سوداء على المسيرة الكفاحية تنعكس سلبا ومباشرة في الوعي الجمعي الفلسطيني. لكنها في ذات الوقت تراكم مزيدا من السخط والإحتقان والغليان في الذات الوطنية، والتي يمكن لها أن تخرج عن السقف القائم والمتداول، حتى لو تأخر قليلا، فهو آت لا محالة.
من الأساليب الخطيرة جدا إضافة للتهويد والضم والمصادرة والأسرلة، وإستباحة الحقوق الوطنية برمتها، والتنكر لإتفاقيات السلام، والعمل بخطى حثيثة لتنفيذ صفقة القرن الترامبية، لجأت حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية برئاسة نتنياهو إلى تهديد البنوك الفلسطينية والعربية والدولية العاملة في فلسطين وطالبتها بتجميد حسابات ذوي الشهداء والإسرى، ووحذرتها من إستقبال الأموال المتعلقة برواتب أسر الشهداء والمعتقلين، وصرفها لهم، وأبلغت مرجعياتها، بانها ستقوم بإعتقال اي جهة بنكية تصرف لهم مرتباتهم، وإعتبار ذلك جزءا من “الإرهارب”؟! وهي بذلك تخرق القوانين والإتفاقات المبرمة معها، وضربت بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية.
وفعلا القائمون على البنوك أوقفوا التعامل بأرقام حسابات ذوي الشهداء والأسرى. لإن المستعمر وضعهم بين خيارين احلاهما مر، اما الإستسلام لمشيئته، أو الذهاب للمعتقل، وإغلاق البنوك. وكما نعلم ان رأس المال في كل الدنيا جبان. وهو غير معني بالإصطدام مع القوة القائمة بالإستعمار، وفي ذات الوقت لا يستطيع المواجهة لوحده القوة الإسرائيلية الإستعمارية، لا بل هو اضعف من ان يفكر بهكذا مواجهة. إذا ما هي السبل للرد على الحكومة الفاشية؟ وهل علينا التسليم بمشيئة المستعمر؟ هل نسقط عن الرموز الوطنية هويتهم، ودورهم البطولي؟ هل نبقى نجعجع ونرفع شعارات كبيرة دون صدى في الواقع؟ وهل نحمل البنوك واصحابها المسؤولية، ونفتح معركة داخلية تهدد الوضع الإقتصادي، ونترك إسرائيل تسرح وتمرح وتنفذ مخططها التدميري للمشروع الوطني؟
الجريمة الإسرائيلية العنصرية الجديدة تفوق الوصف، وتتجاوز كل الحدود، ولم تترك الدولة الفاشية أي مبرر سياسي او قانوني أو قيمي يسمح للقيادة الفلسطينية بالإعتقاد انها يمكن ان تعود عن خيارها التصفوي للقضية الوطنية، وتحويل المناضلين الأبطال إلى “إرهابيين”. حكومة نتنياهو الحالية والقادمة اغلقت كل الأبواب والنوافذ، وماضية في مخططها، وليست بوارد التراجع عن جريمتها الجديدة إلآ تحت ضغط الكفاح الشعبي الواسع، وتحميل كل العرب دون إستثناء ودول العالم المسؤولية عما ترتكبه الدولة المارقة من إنتهاكات خطيرة. وإتخاذ إجاءات عقابية ضدها من خلال فرض العقوبات عليها. وعلى دول الإتحاد الأوروبي وروسيا الإتحادية والصين والهند واليابان تحمل مسؤولياتهم في وقف الجريمة الإسرائيلية، والسماح للبنوك بصرف رواتب اسر الأبطال الشهداء والأسرى. كما لا يجوز المساومة على هذا الأمر، والتنازل عن حق اسر الشهداء والأسرى من استلام رواتبهم من البنوك العاملة في فلسطين، ورغما عن إسرائيل. ولا يجوز بذات الوقت تحميل البنوك أكثر مما تحتمل، لكن على إدارات البنوك عدم الخشية من الإرهاب الصهيوني، ويجب عليها مع سلطة النقد وضع خطة لمواجهة التحدي الإسرائيلي ومن الضروري الإنتباه لحرف بوصلة الكفاح الوطني، الذي يجب ان يتركز على العدو الإسرائيلي أولا وثانيا … وعاشرا