بقلم: د. دلال عريقات – القدس
كنت اعتقد جازمة أننا وبمجرد انتهاء أزمة وباء كورونا، لن نتذكر تفاصيل مرورها ولكن بالتأكيد سنعيش مع نتائجها، وها نحن قبل أن تنتهي الأزمة نشهد الكثير من النتائج والتفاصيل التي يصعب تجاهلها. فلسطين عاشت نجاحاً خلال إدارة أزمة ڤيروس كورونا في البداية بامتياز والشعب أبدى ثقة وإعجابا بكفاءة ورفعة مستوى أداء الحكومة والفريق الفلسطيني الوطني لإدارة حالة الطوارىء. قدمتُ سابقاً تعريفاً لمصطلحات (الأزمة، القيادة والتخطيط الاستراتيجي) لفهم دور ومكانة فلسطين في مواجهة الأزمة.
عرفنا الأزمة بأنها تهديد خطير للبُنى الأساسية للقيم والمعايير الرئيسية للنظام والذي يتطلب اتخاذ قرارات حيوية في ظل ضغط الوقت وحالة عدم اليقين والظروف غير المستقرة. أما القيادة فهي تشمل التخطيط والمسؤولية وصناعة القرار. ما يلزم القائد في وقت الأزمات والطوارىء والكوارث هو التخطيط الاستراتيجي الذي يتمحور حول عملية دائرية واضحة المعالم تبدأ وتنتهي بالرؤية والقيم.
لقد سارعت القيادة الفلسطينية بإعلان حالة الطوارىء القصوى فور ظهور أول حالة إصابة في فلسطين استناداً لأحكام الباب السابع من القانون الأساسي الفلسطيني كما نص في المادة ١١٠، بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً، وقد تم تمديدها لمدة ثلاثين يوماً أخرى حيث بدأنا وللأسف نشهد بعض الهفوات والتراجع على مستوى القيادة. المادة (43) مَن القانون الأساسي تجيز لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون، ويجب عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات وإلا زال ما كان لها من قوة القانون، أما إذا عرضت على المجلس التشريعي على النحو السابق ولم يقرها زال ما يكون لها من قوة القانون. وقد جاء في المادة (70) ان مجلس الوزراء هو من يملك حق التقدم إلى المجلس التشريعي بمشروعات القوانين وإصدار اللوائح واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القوانين. ما حصل قبل عدة أيام من إصدار لقانون تعديل بخصوص المتقاعدين من فئة عليا من قبل الرئيس كان مخالفاً للقانون الأساسي حسب المواد السابقة. وبالتالي وحسب المادة (119) قام الرئيس بإلغاء القوانين لأنه يتعارض مع أحكام القانون الأساسي.
أما آن لنا أن ندرك أهمية إنفاذ القانون وضرورة احترام القانون والجدية في تطبيقه؟
بعد عدة أيام وتحديداً في ٥/٦ ستنتهي مدة التمديد الثانية لحالة الطوارىء. في فلسطين، من الواضح ان الحكومة لن تجدد فترة الطوارىء لمدة ثالثة لأسباب كثيرة وأهمها الاقتصاد، ولكن موضوع الانفراج وفتح الأسواق والأعمال والمحال التجارية ومؤسسات العمل المختلفة والعودة للحياة يتطلب دراسة فرض بعض الضوابط والإجراءات الوقائية ومتابعة ومخالفة غير الملتزمين بشروط وقواعد السلامة العامة. لا بد من آلية قانونية تطبق في كل المحافظات لردع المواطن وإلزامه باجراءات السلامة، لمَ لا يتم دراسة فرض عقوبة مالية على كل من لا يلتزم بلبس الكفوف والكمامات مثلاً، على كل من يخرج او يتواجد باي مكان عام ان يلتزم لضمان استمرار حماية كل شخص لنفسه ومن يتواجد حوله.
نقف جميعاً أمام تحدٍ كبير، التحدي ومواجهة المرحلة يتطلب قيادة وصانعي قرار يتحلون بمهارات إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي، أصحاب رؤية تسيرهم القيم. من الواجب والمسؤولية أن نأخذ الأزمة على محمل الجد وأن نلتزم بإرشادات وتعليمات الجهات الرسمية وبالتوازي على كل فرد أن يقوم بمسؤولياته الفردية تجاه المجتمع لمواجهة هذه الأزمة ولكن لا بد من قانون يضمن كل ذلك. من أهم ميزات عملية التخطيط الاستراتيجي هي المرونة وهذا يسمح باتخاذ قرار بالاستمرار بالخطة المتبعة او تعديل بعض التكتيكات، لتحقيق الرؤية المتمثلة بحماية الشعب من الڤيروس وحصره.
حالة الطوارىء ستنتهي ولكن الڤيروس لن ينتهي ولن يزول خطره حتى اكتشاف علاج.
ليس من الحكمة التعويل على وعي الشعب، لا يوجد شعوب مثالية ولن تستثنى فلسطين بمواطنين مثاليين، إنه القانون وقوة إنفاذه، هو وحده ما يخلق مواطنين صالحين ملتزمين.