أكدت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي فاتو بنسودا مجددا أن للمحكمة صلاحية التحقيق في “جرائم الحرب في فلسطين”، ما يعني تمكين السلطة الفلسطينية نقل الاختصاص الجنائي على أراضيها إلى المحكمة الدولية.
جاء ذلك في وثيقة من 60 صفحة كتبت فيها بنسودا: “نظر الادعاء بعناية في ملاحظات المشاركين وما زال يرى أن للمحكمة اختصاصا على الأرض الفلسطينية المحتلة”. وبذلك رفضت بنسودا الاستئناف المقدم من قبل ألمانيا وأستراليا والبرازيل ودول أخرى وخبراء القانون، حيث تنتقل الكرة الآن لملعب القضاة.
ورحّب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بتقرير المدعية العامة للمحكمة الجنائية الذي أكد اختصاصها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعا المحكمة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب الذين طال إفلاتهم من العقوبة. وكانت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية أعلنت في كانون الأول/ديسمبر 2019 أنها تريد فتح تحقيق شامل في “جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية”، ما أثار رد فعل إسرائيليا غاضبا.
ود ثمّن رئيس اللجنة الوطنية المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، صائب عريقات، ما وصفه بـ”التقرير الشجاع والمسؤول” للمدعية العامة، وردّها على ملاحظات المشاركين في مداولات البتّ في اختصاص المحكمة الإقليمي في فلسطين بناء على طلب قدمته إلى الدائرة التمهيدية، وأعرب عن اعتزازه بالتزام بنسودا بولايتها المنوطة بها من أجل ضمان المساءلة وإحقاق العدالة التي قامت من أجلها المحكمة، مؤكداً أهمية هذه الخطوة باعتبارها تساهم في حماية حقوق الشعب الفلسطيني من “جرائم الاحتلال”.
وقال عريقات في بيان، إن بنسودا أكدت في تقريرها إلى المحكمة التمهيدية، أنها نظرت بعناية في ملاحظات المشاركين، ولا تزال ترى بأن للمحكمة اختصاصاً على الأرض الفلسطينية المحتلة، وتطلب من الدائرة التمهيدية أن تؤكد أن “المنطقة” التي يجوز للمحكمة أن تمارس عليها اختصاصها بموجب المادة 12 (2) (أ)، تشمل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، لافتا إلى أن وصول فلسطين إلى هذه المرحلة “يبعث برسالة أمل لشعبنا بقرب فتح التحقيق الجنائي ضد المسؤولين الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة في ضوء عزم حكومة اليمين المتطرف ضم أجزاء كبرى من الضفة الغربية والمستوطنات وفرض مشروع إسرائيل الكبرى، بالتنسيق والتعاون الكامل مع إدارة ترامب في محاولة لتدمير الشرعية الدولية”.
وأكد المسؤول الفلسطيني، أن مخططات إسرائيل في الضم والتهويد “تسابق الزمن”، محذرا أن “كل تأخير في فتح التحقيق ومحاسبة المجرمين يكلف شعبنا والمنطقة بأكملها أثماناً خطيرة”، مجددا دعوته إلى أعضاء المجتمع الدولي لتعزيز آليات المحاسبة والمساءلة لسلطة الاحتلال، وتذكيرهم بالتزاماتهم تجاه إنفاذ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي”، معلنا استعداد فلسطين التام لتقديم كل الدعم والتعاون مع المحكمة الجنائية وأجهزتها “من أجل إنهاء حقبات طويلة من الإفلات من العقاب والحصانة، وإعادة الثقة بمنظومة العدالة وحقوق الإنسان، وردع مرتكبي الجرائم والانتصاف للضحايا وصولاً إلى تحقيق العدالة الناجزة”.
وقد وصفت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، تقرير المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بـ”التطور الإيجابي، وبداية لمساءلة اسرائيل على جرائمها”، وقالت: “نحن واثقون بأن التحقيق في جرائم اسرائيل سيبدأ قريبا، وستدفع دولة الاحتلال ثمن انتهاكاتها المتعمدة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية”، مشيرة إلى أن الشعب الفلسطيني وقيادته “واثقون بمنظومة العدالة والمحاسبة التي تمثلها محكمة الجنايات الدولية”.
وأكدت عشراوي أن إسرائيل ارتكبت “جرائم حرب، ولا تزال تصعّد من جرائمها بحق شعبنا الأعزل، مستندة إلى إفلاتها الدائم من العقاب والدعم اللامتناهي من الادارة الأمريكية والعجز الدولي عن مساءلتها”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حينه إن هذا القرار يجعل من المحكمة الجنائية الدولية، التي رفضت إسرائيل الانضمام إليها منذ إنشائها عام 2002، “أداة سياسية” ضدّها مكررا اتهامها بـمعاداة للسامية. من جهته عبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن بلاده تعارض بـ”حزم” فتح تحقيق بهذا الشأن، وقال في حينه: “نحن نعارض بحزم هذا الأمر وأي عمل آخر يسعى لاستهداف إسرائيل بطريقة غير منصفة”. وأضاف: “لا نعتقد أن الفلسطينيين مؤهلون كدولة ذات سيادة، ولهذا هم ليسوا مؤهلين للحصول على عضوية كاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما فيها محكمة الجنائية الدولية”.
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون هدد بالقبض على قضاة المحكمة في حال تحركوا ضد إسرائيل والولايات المتحدة. ورفضت الولايات المتحدة وإسرائيل الانضمام إلى المحكمة لتكون المحكمة الدولية الوحيدة المتخصصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وقالت المدعية العامة فاتو بنسودا في حينه: “أعرب عن ارتياحي إزاء وجود أساس معقول لمواصلة التحقيق في الوضع في فلسطين”. وأضافت أنه قبل فتح التحقيق، ستطلب من المحكمة، ومقرها لاهاي، أن تقرر ما هي الأراضي المشمولة ضمن اختصاصها بسبب “فرادة الوضع القانوني والوقائع المرتبطة بهذه الحالة، والخلافات الشديدة حولها”.
تعقيب إسرائيلي
من جهتها عقبت إسرائيل على ذلك من خلال وزير الطاقة ومركز اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة محكمة الجنايات الدولية الذي قال إن تقرير بينسودا هو استمرار للسياسات اللاسامية الواضحة المنتهجة من قبلها بتأثير من منظمات إسلامية وحركة المقاطعة العالمية. وتابع يوفال شطاينتس في بيانه: “تجاهل المدعية العامة آراء خبراء بارزين في العالم في القانون الدولي يعكس إصرارها على المساس بـ إسرائيل وتسويد سمعتها. ولذا فهي تصيغ من جديد قواعد القضاء الدولي وتخترع دولة فلسطينية وهذا قبل انتهاء مسيرة السلام والمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية”، منوها إلى أن إسرائيل ستواصل التباهي بحقيقة أنها “الديموقراطية الليبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وترفض بشدة محاولات لا أساس لها لتسويد صفحتها والمساس بجنودها ومواطنيها.
احتجاج أوروبي
وبسياق متصل عبر دبلوماسيون أوروبيون عن احتجاجهم الشديد على الاتفاق الائتلافي بين “الليكود” و”أزرق- أبيض” الذي يشمل بنودا خاصة بالضم وإحالة السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. وكشفت القناة الإسرائيلية 13 أن سفراء 11 دولة أوروبية في تل أبيب قدموا احتجاجا مشتركا لوزارة الخارجية في حكومة الاحتلال عبروا فيه عن امتعاضهم واحتجاجهم الرسمي على الاتفاق المذكور.
ونوهت القناة نقلا عن مصادر أوروبية لمشاركة هؤلاء الدبلوماسيين في حديث متلفز مشترك مع وزارة الخارجية الإسرائيلية نقلوا فيه احتجاج دولهم وهي: بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيرلندا، هولندا، إيطاليا، إسبانيا، السويد، بلجيكا، الدنمارك، فنلندا وكذلك الاتحاد الأوروبي.
نشر عطاء لبناء استيطاني
وحسب محرر الشؤون الدبلوماسية في القناة الإسرائيلية 13 براك رافيد فقد أوصل الدبلوماسيون الأوروبيون احتجاجهم بالحديث مع نائبة مدير عام وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال آنا أزاري المسؤولة عن ملف الاتحاد الأوروبي. في رسالتهم قال السفراء الأوروبيون إنهم قلقون جدا من البنود الخاصة بالضم محذرين من أن إحالة السيادة الإسرائيلية على أي جزء من الضفة الغربية تنطوي على انتهاك فاضح للقانون الدولي.
وأكدوا أن خطوات أحادية كهذه ستمس بـمساعي تجديد مسيرة السلام وستترتب عليها انعكاسات خطيرة على الاستقرار الإقليمي وعلى مكانة إسرائيل في الحلبة الدولية. وطبقا للقناة الإسرائيلية عبر الدبلوماسيون الأوروبيون عن قلقهم من نية حكومة الاحتلال نشر عطاءات جديدة الأحد لتسمين البناء الاستيطاني في مستوطنة “جفعات همطوس” داخل القدس المحتلة عام 1967.
وطالب السفراء الأوروبيون بتجميد العطاءات وتساءلوا عن نشرها فيما سبق وتم تجميد بقية العطاءات بسبب جائحة الكورونا. وكانت حركة “السلام الآن” الإسرائيلية أكثر حدة في استنكارها لفكرة الضم وقالت إن كل عاقل يدرك أن إحالة السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة هي خطوة منفصلة عن الواقع وعديمة المسؤولية سياسيا وأمنيا وأخلاقيا. وتابعت في بيانها: “يحظر علينا أن نسمح لذلك أن يتم”.
وأشاد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور صائب عريقات بالرسالة الأوروبية المشتركة إلى حكومة الاحتلال. وقال عريقات إن القيادة الفلسطينية تواصل اتصالاتها الدولية الدبلوماسية وعلى كافة الأصعدة والمستويات، لمنع إسرائيل من تنفيذ إعلانها بضم الأراضي ووضع مخططات وخرائط لهذا الضم بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأدانت الجامعة العربية في ختام اجتماع لوزراء الخارجية العرب عبر “الفيديو كونفرنس” خطة الضم الإسرائيلية واعتبرتها جريمة حرب جديدة ضد الشعب الفلسطيني. ويواصل الأردن تحركاته على المستوى الدولي للتحذير من المخطط الإسرائيلي داعيا للضغط على حكومة الاحتلال لردعها عن الإقدام على مثل هذه الخطوة.