بقلم: باسم برهوم
إذا كانت نكبة عام 1948 هي الفصل الأكثر فداحة وسوادا في التاريخ الفلسطيني المعاصر، فإن هناك فصولا لا تقل حلكة، وعد بلفور بداية المأساة والتعبير المفضوح لقرار الاستعمار العالمي بمصادرة فلسطين وإلغاء الوجود السياسي للشعب الفلسطيني. وهناك فصول لا تقل فجاعة، مثل هزيمة العرب في حرب 1967, التي احتلت اسرائيل ما تبقى من فلسطين واجتياح إسرائيل للبنان 1982, الذي أنهى عمليا وجود الثورة الفلسطينية في دول الطوق على حدود فلسطين.
أما الفصل الأكثر مرارة فهو فصل الانقسام، الذي حصل في الساحة الفلسطينية بعد انقلاب حماس العسكري في قطاع غزة. صحيح أن الانشقاقات والنزاعات هي حالة صاحبت مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأة القضية الفلسطينية، والتي كانت تتغذى بسياسة فرق تسد البريطانية، إلا أن أمر هذا الانقسام مختلف في الجوهر والتوقيت، ما يجعله أحد الفصول السوداء في تاريخنا.
كافة الانشقاقات السابقة، وخاصة تلك التي حدثت في مطلع ثمانينيات القرن العشرين بعد حرب 1982, كانت سياسية وبدعم من أنظمة عربية. الانقسام الحالي هو الأخطر لكونه اختلافا في المنهج، ففي حين كانت الخلافات في إطار الوطنية الفلسطينية، فإن الخلاف اليوم بين المنهج الوطني، وبما يعنيه من هوية وطنية وشخصية وطنية فلسطينية هناك ضرورة لإبرازها لكون الصهيونية وروايتها ينفيان وجود الشعب الفلسطيني وتاريخه في فلسطين وهو المنهج الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها، وبين منهج الإسلام السياسي الذي تمثله حماس، وهو منهج يستخدم الدين ويستخدم القضية الفلسطينية لتنفيذ أهداف سياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
البعض يستهويه تفسير الانقسام بأنه انقسام حول المحاصصة بين فتح وحماس على كعكة السلطة، هذا تشويه بالغ لجوهر الانقسام، فالأساس أن هناك تنظيما يرتبط قراره بقرار التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ويراعي أجندات تحالفاته الإقليمية، وهو يريد السيطرة التامة على القرار الفلسطيني والقضية الفلسطينية إن استطاع ليتحكم بها التنظيم الدولي ولمصلحة أهدافه واستراتيجيته.
أما توقيت الانقسام فهو بدون شك يخدم الأهداف الإسرائيلية. والتي في جوهرها منع قيام دولة فلسطينية تضع حدا لتوسع وتمدد المشروع الصهيوني، فأساس الرواية الصهيونية، كما تمت الإشارة، قام على أساس نفي وجود الشعب الفلسطيني عبر تزوير التاريخ، فأي شيء يصب في مصلحة هذه الرواية هو أمر مطلوب إسرائيليا. كما أن الانقسام، في هذا التوقيت بالتحديد يمنح إسرائيل كل المبررات كي تتهرب من أي التزام. وتقول للعالم إن الشعب الفلسطيني منقسم على نفسه، ومنظمة التحرير لا تسيطر على كل الشعب الفلسطيني وبالتالي فإنهم لا يستحقون دولة واستقلالا.
إن الانقسام هو امتداد لفصل النكبة، لفصل منع الشعب الفلسطيني من إقامة دولته. وهو استمرار لتلك اللحظة التاريخية السوداء التي مُنع الشعب الفلسطيني فيها من إقامة دولة على ما تبقى من أرض فلسطين عام 1948. لذلك فإن الانقسام فصل أسود على الشعب الفلسطيني يجب إنهاؤه اليوم قبل الغد، لأننا مقبلون على الفصل الأخطر، فصل تصفية القضية الفلسطينية نهائيا عبر صفقة القرن والضم.