يتنقل الشاب قصي الغول (24 عاما) وزملاؤه بين الجامعات والمدارس الفلسطينية، يلقي محاضرات ويشارك في حملات مختلفة، من أجل توعية الناس بمرض الثلاسيميا، ويهمه أن تصل الفكرة للمرضى الصغار تحديدًا، في محاولة لدعمهم نفسيًا ومساعدتهم على مواجهة المرض، وعدم الاستسلام له.
في الثالثة من عمره، أكتُشف أن قصي مصاب بالثلاسيميا، ومنذ ذلك الوقت وهو في رحلة علاج طويلة، ويتردد بين الحين والآخر على المستشفى من أجل نقل وحدة دم له، وما يرافق ذلك من أعراض وأوجاع وانتكاسات صحية، أبقته في المستشفى لأيام وربما أسابيع، ولكن رغم ذلك لم يستسلم قصي.
يقول “تعرضت لانتكاسات صحية كثيرة بعد عملية نقل الدم، وكان يتم إعطائي مضادات حيوية ومسكنات وحقن بالوريد، وفي كثير من الأحيان أمكث في المستشفى من شدة التعب”.
ويضيف “أعاني من آلام وأوجاع مستمرة، وألم في المفاصل، وارتفاع في الحرارة، ونقص في المناعة ما يعرض جسدي لأمراض مختلفة، ولكن أنا لا أفكر بالمرض ودائما أحاول ألا يتغلب علي، وفي كل مرة أتعرض لانتكاسة أخرج منها أقوى من قبل، حتى أصبح المرض رفيقا لي”.
ويشير إلى أن كثيرا من المرضى ملوا من العلاج الطويل، وتوقفوا عن تناول الأدوية، أو تعرضوا لإحباط شديد، الأمر الذي دفعني للانضمام للعمل مع جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا كمتطوع منذ عام 2013 ولغاية نهاية العام الماضي.
ويؤكد الغول “الهدف كان توعية الناس ونشر الثقافة عن المرض لأن هناك نقص في المعلومات والتوعية لديهم، والأهم بين الصغار المصابين، كي يستطيعون مواجهة المرض وعدم الاستسلام، كما ألقيت العديد من المحاضرات في مختلف الجامعات والمدارس بهذا الخصوص، وشاركت في الكثير من الحملات التوعوية“.
ويصادف اليوم الجمعة، الثامن من أيار/مايو من كل عام، اليوم العالمي لمرضى الثلاسيميا، والذي حددته منظمة الصحة العالمية، لنشر الوعي بهذا المرض، وكيفية تفاديه وطرق انتقاله.
وفي هذا الخصوص، يقول رئيس جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا بشار الكرمي إن الثلاسيميا مرض فقر دم وراثي مزمن، يصيب الأطفال الذي يولدون لأم وأب يحملان الصفات الوراثية، مشيرا إلى أن 4% في فلسطين يحملون هذه الصفات، “أي ما يقارب 200 ألف رجل وامرأة”، يعيشون حياتهم الطبيعية، كما أن العشرات منهم تزوجوا وأنجبوا وأنهوا دراستهم العليا، لكنهم في الوقت ذاته يحتاجون لمتابعة ورعاية.
ويوضح أن العدد الكلي للمرضى يبلغ 856 مريضا، 526 في الضفة الغربية، و330 في قطاع غزة، مضيفًا “أن معظم الحالات تتركز في محافظتي جنين والخليل بواقع 120 حالة لكل منهما، بينما يوجد ثلاث حالات في بيت لحم وهو العدد الأقل بين المحافظات”.
ويشير الى أن الوضع الصحي للحالات جيد، لكنهم بحاجة لرعاية، وتزويدهم بوحدة دم مرة كل شهر، إضافة للأدوية والفيتامينات.
ويؤكد الكرمي: “نحن نقدم للمرضى الخدمة العلاجية اللازمة لأنها مكلفة ومتعبة، ونلاحظ أحيانا انقطاع أدوية معينة، أو في بعض الأحيان قد يمل المريض من العلاج لفترة طويلة جدًا، ونحن بدأنا نعمل كجمعية منذ عام 1994، من أجل تثقيف المجتمع لأخطار المرض وأهمية الفحص الطبي قبل الزواج، ولنوصل رسالة أمل لهم وأنه يمكن التعايش مع هذا المرض”.
ويتحدث الكرمي عن أهمية القرار الذي صدر عام 2000 بإلزام كل من يقدم على الزواج بإجراء الفحص المخبري، والذي أدى إلى انخفاض عدد الولادات الجديدة الحاملة للمرض إلى صفر، باستثناء حالات فردية قليلة نتيجة لزواجهم خارج فلسطين، أو زواج قديم.
ويقول إن المريض يبقى حاملا للمرض إلا إذا خضع لعملية زراعة نخاع عظمي، وهناك بعض الحالات خضعت لها خارج فلسطين، وذلك من خلال الجهود التي تقوم بها وزارة الصحة، مبينًا أن هذه العملية الجراحية لها شروط معينة، كأن يكون وضع المريض لائقا صحيا، وأن يكون المتبرع سليما.
وفي ظل انتشار فيروس “كورونا”، قال الكرمي إن الفيروس يستهدف الأشخاص الذين يتمتعون بمناعة أقل من غيرهم، ومرضى الثلاسيميا من هذه الفئة، خاصة أن قسما كبيرا منهم خضع لاستئصال الطحال، وهو ما يجعلهم من الفئات المعرضة لخطر الإصابة به، لذلك قدمنا إرشادات ونصائح لهم حول ضرورة لبس قفازات والكمامات، وتجنب المكوث لفترات إضافية في المستشفى.
وأوضح أنه في شهر رمضان المبارك، تبرز ظاهرة إضافية تتمثل في قلة عدد المتبرعين بالدم، لذلك فنحن على تواصل بنك الدم المركزي وباقي المحافظات من أجل ضمان عدم انقطاعه، وتزويد المرضى في الوقت المناسب بالوحدات المطلوبة، آملا من المجتمع ألا ينسى هذه الفئة، خاصة أن غالبية المرضى هم من الفئات الفقيرة والمهمشة والضعيفة اقتصاديًا.
ويردف: “قامت مؤسسات عدة بتوفير مستلزمات وقائية للمرضى من كفوف وكمامات، ليحموا أنفسهم أثناء ذهابهم لتلقي وحدة دم، سواء في غزة أو الضفة، وهنالك سعي مع المؤسسات بعدم انقطاع الأدوية خاصة في القطاع، في ظل محدودية إمكانياتنا، وهذه المعدات التي تساعدهم على التعايش مع المرض”.
ويتابع: “قبل أزمة كورونا تم توفير مجموعة من الفلاتر التي تقوم بتصفية كريات الدم البيضاء ويمنع دخولها للجسم، وهناك مجموعة من الأدوية وصلت غزة من مؤسسة العون الطبي الفلسطيني في بريطانيا، وكلها من أجل حماية مريضنا”.