بقلم: عمر حلمي الغول
عشية البدء بمحاكمة رئيس حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو أمس الأحد تلاقت مجموعة عوامل ضاغطة لصالح تكليف المتهم بقضايا الفساد الثلاث: الرشوة والاحتيال وسوء الأمانة، وبدأت اولا بإعلان المستشار القضائي بالموافقة على تكليفه يوم الخميس الماضي الموافق 30/4/2020، وادعى أفيحاي مندلبليت في رسالته للمحكمة العليا، انه “لا مانع قانونيا من تكليف نتنياهو، بتشكيل الحكومة، على الرغم من اتهامه بقضايا فساد، ورغم ما وصفه بـ “الصعوبات القانونية”. وهذا التحول في موقف المستشار لم يكن بلا ثمن، انما جاء بعد مقايضة الموقف بالتمديد له في مهمته؛ ثانيا كتب بن درور يميني في “يديعوت احرونوت” يوم الجمعة الماضي الموافق الأول من ايار الحالي مقالا بعنوان “يا قضاة العليا” يحذر فيها المحكمة من التطرف، واتخاذ قرار بالغاء الاتفاق بين الليكود وحزب “حصانة إسرائيل”. وقال “نحن بحاجة إلى محكمة حكيمة، وليس إلى محكمة متعنتة لأن الشطب الجارف للاتفاق لن يجعل إسرائيل أكثر ديمقراطية، بل سيزيد فقط الغضب على التدخل الزائد لمحكمة العدل العليا، وسيجرنا إلى فوضى سياسية وجولة أخرى من الانتخابات”.
ويتابع “فالحديث يدور اساسا عن اتفاق يتضمن بنودا مع رائحة سيئة، بل سيئة جدا، ولكن باستثناء البند عن “القانون النرويجي المتجاوز” لا يوجد أي مس بالديمقراطية، فليتفضل قضاة العليا بلجم انفسهم.”
ثالثا هدد الليكود بشكل سافر المحكمة العليا في حال لم توافق على الاتفاق المبرم بين الحزبين، والسماح بتشكيل نتنياهو حكومة الرأسين، فإن البلاد متجهة لانتخابات رابعة، وقال في هذا الصدد يوفال شتاينتس، أحد اركان الليكود إنه “إذا ما قررت المحكمة العليا منع بنيامين نتنياهو من تولي رئاسة الحكومة، فإن ذلك سيكون بمثابة هزة ارضية، وضربة غير مسبوقة للديمقراطية الإسرائيلية.”
وعندما استمعت لبعض الحوار الذي شهدته المحكمة العليا امس الأحد بين القضاة والمدافعين عن نتنياهو، شعرت أنني امام محكمة صورية وشكلية، أو بتعبير آخر مسرحية قضائية، حيث يدافع فيها محامو الدفاع عن نتنياهو بطريقة هزلية، لا يوجد لديهم أي دليل على براءة الساكن في شارع بلفور، ومع ذلك يريدون له تولي رئاسة الحكومة بذريعة، ان “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.
وهذا المقولة صحيحة جدا، ولكن التهم الموجهة لنتنياهو تحمل الوقائع والشواهد على صحتها، وهي ليست تهما جزافية، أو مجرد ادعاء كيدي، انما هي تهم حقيقية، وفيها اعترافات من شهود، وحصلت مقايضة مع زوجة رئيس الوزراء، وردت جزءا من الأموال التي تصرفت بها بشكل غير قانوني ودون وجه حق وفق القوانين الإسرائيلية. وبالتالي فإن السماح لمتهم بثلاث قضايا فساد بتولي الحكومة فيه سقوط قانوني وأخلاقي وقيمي وسياسي مريع في دولة الاستعمار الإسرائيلية.
هناك هجمة غير مسبوقة من القوى اليمينية المتطرفة والمتساوقة معها إعلاميا لحماية رأس اللص نتنياهو، مرة بالتهديد، ومرة بالوعيد ومرة بالتبريرات الذرائعية الواهية، التي ساقها بن درور يميني، الذي ذهب لدرجة التناغم مع شتاينتس في تهديد المحكمة بشكل مبطن، بأنه إذا ما رفضتم الاتفاق بين الحزبين، وهو يقصد ما ذكره صراحة يوفال، عدم تولي نتنياهو رئاسة الحكومة، فهذا يعني تغولا للمحكمة على السياسة، ويهدد بفوضى سياسية في البلاد. وتجاهل ذلك الكاتب الصهيوني، ان دولته تعيش ازمة بنيوية عميقة على الصعد المختلفة، وتسير بخطى حثيثة نحو ضرب قواعد القانون الشكلية الناظمة للمجتمع. ولم يجد يميني خللا في الاتفاق سوى بند جزئي يتعلق بـ”القانون النرويجي”، الذي يبرئ ساحة زعيم الليكود الفاسد.
المشهد الإسرائيلي الماثل الآن امام الجميع، هو اكبر دليل على عمق الأزمة والخلل البنيوي، الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي منذ تأسيسه، وهذا يحمل في طياته تداعيات غير مسبوقة على البناءين الفوقي والتحتي، ويشي بأخطار داخلية لم تعشها دولة الاستعمار الإسرائيلية منذ 72 عاما حسبما أعتقد. وأيا كانت النتيجة استمر نتنياهو في الحكم أم لا، فإن النتيجة الجلية تقول ان الانتخابات الرابعة قادمة، رغم اتفاق غانتس مع الفاسد نتنياهو في زمن منظور، وغير بعيد.