تهجير لن يكون.. فهنا “تاريخ كل ما أغفله التاريخ”

15 فبراير 2025آخر تحديث :
تهجير لن يكون.. فهنا “تاريخ كل ما أغفله التاريخ”
موفق مطر
تهجير لن يكون.. فهنا “تاريخ كل ما أغفله التاريخ”

الكاتب: موفق مطر – لن يضمن احد في العالم ألا يتم تهجير أبناء الشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية في الـ 48 والقدس والضفة الفلسطينية أيضا، إلا الشعب الفلسطيني ذاته، بالاعتماد على عمقه العربي والدولي الانساني الاستراتيجي، والخطر المرئي في هذه اللحظات التاريخية، آت (بجريمة العصر) جريمة الحرب، والجريمة ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني، فأحجار دومينو (التهجير القسري) قد صفت بعناية ودقة، وما حملة الابادة الصهيونية الدموية المدمرة منذ 7 اكتوبر 2023، الا ضربة البداية، التي سبقها، تمدد احتلالي استيطاني سرطاني، وقوانين القومية العنصرية، وجرائم المستوطنين الارهابيين، وسرقة ممنهجة، ومبرمجة، لثروات الشعب الفلسطيني الطبيعية، وأموال خزينة دولة فلسطين العامة، بالتزامن مع ضربات هدامة لبنيان الاقتصاد الفلسطيني، فحكومة دولة اسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) لا تخفي أهدافها البعيدة المدى قبل القريبة، فهذا رئيس حكومتها المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو قد صرح قبل حوالي خمس سنوات، أنه سيجتهد لتحقيق معجزة بلوغ (اسرائيل) 100 سنة، وهنا لا بد من ربط مواقف وتصريحات نتنياهو الممنهجة، وبين كلام (ثيودور هيرتزل) منظر الصهيونية، الذي قال اثناء زيارة فلسطين سنة 1902، وبعدما وجدها عامرة بأهلها وأصحابها الفلسطينيين: “لا بد من اخلاء السكان بكل الوسائل حتى لا يبقى احد، لنتمكن من اثبات مقولتنا أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

لقد رأى الرئيس محمود عباس “ابو مازن” أبعاد مقولة هيرتزل، فكتب للتاريخ في كتابه الجديد الصادر هذا العام بعنوان (تاريخ ما اغفله التاريخ) في الصفحة 58: “هنا بدأ العمل على تهويد فلسطين والتخلص من سكانها الاصليين” وسلط الرئيس الضوء على محاولات طمس الحق الفلسطيني، بطمس قضية اللاجئين فكتب التالي: “الوضع الفلسطيني بعد النكبة سنة 1948 لم يعجب الغرب لأنهم لا يريدون لأحد من اللاجئين ان يكون قريبا من الحدود ولا بد من العمل على توطينهم في اماكن بعيدة كل البعد عن الحدود مع اسرائيل حتى تعيش بأمن واستقرار وجاءت فكرة التوطين ونقل اللاجئين من قطاع غزة الى عمق سيناء ومن الحدود السورية الى الصحراء السورية الشرقية… في عام 1955 تسرب الخبر الى صفوف اللاجئين في قطاع غزة وانفجرت المظاهرات، وقادها كوكبة من الشخصيات الوطنية على راسهم محمد يوسف النجار والشاعر الكبير معين بسيسو وفتحي البلعاوي، واستطاعت هذه الكوكبة من القادة افشال المشروع من اساسه”.

إذن فمشاريع التهجير ليست وليدة اللحظة، أو ردة الفعل، فهذه مخططات جاهزة بانتظار اللحظات المناسبة لإطلاقها وتنفيذها، فتصطنع منظومة الاحتلال (اسرائيل) الذرائع بما يناسبها لتحقيق اهدافها، إن لم تكن قائمة، وتتخذ فعلا ما، من جهة فلسطينية، قصيرة النظر معدومة الرؤية السليمة للمصالح العليا للشعب الفلسطيني، كعملية 7 أكتوبر 2023 لإطلاق الخطط، ذات الأهداف البعيدة المدى، وابتدائها بحملة ابادة جماعية وتدميرية، مركزة على اكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين منذ سنة 1948 حوالي (70%)، فنتنياهو أدرك أن مشروع هيرتزل لم يتحقق كاملا، وان تحقيق هدف عمر المئة عام، لمملكته اليهودية – كما وصفها – يتطلب منع قيام دولة فلسطين، على ارض فلسطين التاريخية بأي ثمن، وبكل الوسائل، حتى لو تطلب الأمر التهجير القسري، لملايين المواطنين الفلسطينيين الباقين على ارض وطنهم فلسطين، ولأنه يعتقد أنه في مأمن من العقاب والمحاسبة، وفرته الادارات الأميركية المتعاقبة، نراه يتوغل بحملة الابادة بالقوة العسكرية، طاحنا القوانين والشرائع والمواثيق الدولية، بجنازير دبابات جيشه الأميركية، وبأم القنابل الأميركية ايضا، حتى يصير حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة دخانا وغبارا يتسللان من بين ركام بيوت المخيمات في غزة والضفة الفلسطينية، كما يحدث تنفيذا لخطة الابادة، أما الباقون على قيد الحياة، فيدفعون تحت تهديد (الابادة) الى خارج حدود فلسطين التاريخية الطبيعية، وبذلك – وفقا لهيرتزل ووريثه نتنياهو – تستكمل (جريمة العصر) في ظل فرصة غير مسبوقة، وفرتها الدولة الاستعمارية العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، التي أنشأت (اسرائيل)، وحرصت على وضع تنفيذ اعلان بلفور كشرط، او مهمة رئيسية، في صك الانتداب على فلسطين الممنوح من عصبة الأمم المتحدة لبريطانيا، علما أن الولايات المتحدة لم تكن عضوا فيها !! ذلك أن إعلان بلفور، أميركي المضمون، بريطاني الشكل والإخراج، وفي ظل محاولات جدية لإلغاء دور الشرعية الدولية، والقانون الدولي، لتحقيق العدالة للشعوب المظلومة، وفرض سلطة الولايات المتحدة الأميركية، على العالم، لتكون الآمر الناهي في أي قضية، ومنها تحديدا الحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية) وتجييرها لصالح (اسرائيلها)… لكن ما الذي يعتمد عليه نتنياهو اليوم؟! فأضغاث أحلام هيرتزل برؤية فلسطين ارضا بلا شعب، لم تتحقق، رغم بلوغ مشروعه للاحتلال والاستيطان الصهيوني العنصري الشيخوخة (123 سنة)، ورغم مجازر وجرائم ومذابح المنظمات اليهودية الصهيونية المسلحة، والتهجير والتدمير والإرهاب الذي اتخذته (دولة اسرائيل) منهجا، وعمليات التهويد، فكل محاولات تذويب وصهر الشخصية الوطنية الفلسطينية العربية لفلسطينيي الـ 1948، فشلت، واجتثاث جذور الشعب الفلسطيني التاريخية اصطدمت بانتماء وطني راسخ، تجسد بإجبار اسرائيل على الاقرار والاعتراف بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني كما نصت الرسائل المتبادلة في اتفاقية اوسلو، ونعتقد أن جريمة حكومة الصهيونية الدينية برئاسة نتنياهو، قد فاقت جريمة هيرتزل بأضعاف مضاعفة، ذلك أنه صاحب القرار الأول بإبادة وتهجير الشعب الفلسطيني، الذي اعترفت حكومات دولته بكيانه التاريخي والسياسي وتعترف دول العالم، بحقه في قيام وتجسيد دولته المستقلة على ارض وطنه فلسطين، التي ما كانت لتكون الأرض المقدسة بالنسبة للمؤمنين في العالم، لو لم يكن شعبها قد جسد المعاني الانسانية الحضارية فعلا، فالزمن لا يمكن لأحد ارجاعه ولو بمقدار ثانية، ففلسطين الأرض والشعب حقيقة سرمدية أما مشاريع الرأسمالية العنصرية الاستعمارية، فلن تقوم لها قائمة، في زمن ايمان الشعوب والأمم بالعدل والسلام… وما دام الشعب الفلسطيني يعلم تاريخ كل ما اغفله التاريخ.

الاخبار العاجلة