إيهاب الريماوي
منذ بدء تفشي فيروس كورونا، تحسب الأسرى في سجون الاحتلال للخطر الذي بدأ يقترب منهم أكثر فأكثر، متخذين عدة خطوات احتجاجية ضد مصلحة السجون لتوفير أدوات التعقيم والتنظيف، وتمثلت بإغلاق الأقسام، أو الخروج كمجوعات في وقت “الفورة”، وصولا إلى إعادة وجبات الطعام التي تقدم لهم، لكن ذلك لم يكن كافيا من أجل رضوخ الاحتلال لمطالبهم.
وقبل أيام قال وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي “نفتالي بينيت”: “إن الواقع الصحي الموجود في السجون في ظل تفشي فيروس كورونا لا يسمح لنا بالتعامل معه وفق ما هو منصوص عليه عالميا، لأنه لا توجد لدينا مستشفيات ولا مراكز معدة مسبقا للتعامل مع مثل هذه الحالة، وبالتالي نحن لا يمكننا التعامل مع هذا الوضع”.
خطوات احتجاجية
تداعت الهيئات التنظيمية داخل سجون الاحتلال للاجتماع من أجل مناقشة الخطوات التي يجب القيام بها لمواجهة هذا الوباء، وتم إعلان حالة الطوارئ شأنهم شأن باقي الدول الأخرى وكانت إحدى مخرجات هذه الاجتماعات: وقف تنقلات الأسرى بين الأقسام، ووقف التنقلات بين القلاع كسجن النقب الذي توجد فيه 3 قلاع، وكل قلعة فيها ما بين 8-10 أقسام، وبأضيق الحدود منع الخروج إلى الطبيب العام كون العيادة أصبحت مكانا موبوءا، وفي الأيام الـ20 الأخيرة لم تخرج للعيادة إلا حالات معدودة بعد أن وصلت حالة بعض المرضى إلى درجة لا يمكن فيها تحمل الوجع.
قرر الأسرى أيضا مقاطعة المستشفيات وعيادات الأسنان وكل الفحوصات الطبية وإجراء العمليات حتى إشعار آخر، رغم أن ذلك قد يشكل خطورة صحية على المرضى لكن احتمالية انتقال العدوى للأسرى تبقى كبيرة في ظل أن الأسير سيضطر للانتقال بـ”البوسطة” بين عدة سجون، وسيختلط بأسرى آخرين وسجانين.
يخضع الأسرى يوميا لما يسمى “العد” حيث يقتحم ما بين 10-15 سجانا مدججين بالسلاح والهراوات غرف الأسرى من أجل عدهم ثلاث مرات يوميا في أوقات متباعدة، وعليه طالب الأسرى مصلحة السجون بأن يصبح العدد بوقوف السجانين على مدخل القسم وأن يتم فتح غرف الأسرى الكهربائية من خلال غرف التحكم، ويخرج الأسرى على باب غرفهم من أجل عدهم لكن الاحتلال رفض مقترحهم، كما رفض مقترح آخر بأن يتحول “الدق” الذي يجري مرتين في اليوم إلى خارج الأقسام بدلا من داخل الغرف، وهو إجراء يقوم به الاحتلال من أجل فحص احتمالية وجود ثغرة في أي من الشبابيك أو الجدران.
واقع صحي في أدنى مستوياته
ولو نظرنا للواقع الصحي قبل أزمة كورونا في سجون الاحتلال فإن الخدمات الطبية المقدمة للأسرى في أدنى مستوياتها وتتميز بالإهمال المتعمد واللامبالاة، مثلاً في سجن النقب الذي يقبع فيه نحو 2000 أسير يتوفر لديهم عيادة طبية يناوب فيها طبيب عام من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً يتخللها عدة ساعات من الاستراحة، وبالتالي فإن الساعات القليلة المتبقية لا تكفي لمعاينة إلا عدد قليل جدا من الأسرى.
واليوم في ظل “كورونا” أصبح معاناة الأسرى أكبر بمعنى أن الطواقم الطبية إذا كانت قليلة والإمكانيات المتوفرة بسيطة، فالآن أصبح يقتصر الدوام على نصف عدد الأطباء والممرضين، وهنا نصل إلى نتيجة أنه إذا كان يتوفر 5% من العلاج و95% من المماطلة والتسويف فإن الوضع في هذه المرحلة أصبح أكثر في المماطلة والإهمال.
طبيعة السجن
يقسم السجن إلى عدة أقسام وفي كل قسم هناك ما بين 8-10 غرف، وتحتوي الغرفة الواحدة على 5 أو 6 أسرى لا يزيد عرضها على 4 أمتار وفيها 6 أسرة “أبراش”، و4 كراسي و4 منضدات، وطاولة، وخزانة صغيرة لكل أسير، والحمام والدش.. كل ذلك في غرفة واحدة وهذا يعني بأن فكرة تحقيق التباعد الاجتماعي ما بين متر أو مترين بين الأسرى يعتبر أمرا غير وارد ولا يمكن تحقيقه.
ويجبر الأسرى على البقاء في غرفهم ما بين 18-20 ساعة في اليوم، وباقي الساعات يخرجون “للفورة” التي تقع على مساحة ضيقة وتشهد اكتظاظا كبيرا، والذي يصبح هنا احتمال انتقال العدوى بين الأسرى عال جدا.
علبة صابون لـ15 غرفة!
لا توفر مصلحة سجون الاحتلال أدنى مستلزمات التنظيف والتعقيم في “الكنتينا” الخاصة بالأسرى، حيث يخصص لكل قسم المكون من 15 غرفة علبة تنظيف واحدة فقط في الشهر، وإلى جانب الغرف يحتوي القسم أيضاً على ساحة ومكان للأكل وأدراج، وهذه تحتاج إلى التنظيف والتعقيم اليومي.
ومع ذلك أصبح اليوم هناك إشكالية لدى الأسرى في شراء المعقمات بعد إغلاق البريد الإسرائيلي الموزع في محافظات الضفة الغربية الذي يودع فيه أهالي الأسرى الأموال بعد إعلان حالة الطوارئ في إسرائيل، وأضحت قدرت الأسير على شراء المعقمات محدودة، وانحصر التنظيف على الجهد في المحافظة على النظافة الشخصية باستخدام المياه وبعض الصابون إن توفر في أحسن الأحوال.
يقول الأسير ظافر الريماوي المعتقل في سجن النقب الصحراوي وأمضى 18 عاما في سجون الاحتلال، في رسالة إلى عائلته: “الغريب أنك في القرن الواحد والعشرين وتضطر إلى إعادة وجبات الطعام التي هي السلاح الوحيد من أجل تقوية مناعة جسدك في مواجهة فيروس كورونا، لتجبر مصلحة السجون بأن يوفروا للأسرى موادا للتنظيف، فنحن نناضل من أجل توفير مكان صحي حتى لا يصبح المكان موبوءا، وما نريده هو الصابون حتى نحافظ على نظافة المكان والملابس والمحيط، لكننا نواجه منهم عدم اللامبالاة، وهذا ما سيشكل مدخلا آخرا في زيادة نسبة خطورة انتقال المرض للأسرى”.
الثغرة المحدقة بالأسرى
إن المكان والثغرة الوحيدة التي تهدد حياة الأسرى قادمة من السجانين الذي يخرجون ويعودون للسجن، وكونهم أكثر اختلاطا بالأسرى خلال فترات “العد” حيث يلمسون الأبواب والشبابيك وأحيانا يكبلون بعض الأسرى، وعليه فإن احتمالية إصابة الأسرى بالفيروس كبيرة وانتقال العدوى بين عدد واسع منهم أيضا كبير، لأنه بدء ظهور علامات المرض بعد 14 يوما وخلال هذه الأيام يختلط الأسرى فيما بينهم.
لا يخشى الأسرى من الإصابة بالفيروس لأنه محجور عليهم منذ سنوات طويلة، وأقدمهم الأسير كريم يونس المعتقل منذ 40 عاما، لكن الخطورة تأتي من السجان والخروج للعيادات.
يتساءل الأسير ظافر الريماوي في رسالته: ماذا لو أصيب الأسرى في السجن بالفيروس والذي يبلغ عددهم 2000 أسير هل سينقلون جمعيهم للمستشفيات، وهل سيتم توفير 2000 سرير لهم وطواقم طبية ترعاهم على مدار الساعة، كما أن في بروتوكولات مصلحة السجون فإن الأسير الذي ينقل إلى المستشفى يرافقه 9 سجانين.
ويكمل: في حالة أصيب 1000 أسير بالفيروس فإنهم يحتاجون إلى 9 آلاف سجان، فهل يعقل بأن تكون مصلحة السجون قادرة على توفير هذا العدد في ظل أن من يداوم اليوم منهم الربع أو الثلث.
تاريخ من الإهمال
في نهاية تسعينات القرن الماضي اعترفت رئيس لجنة العلوم البرلمانية في الكنيست “داليا إيتسيك” بإجراء أكثر من 1100 تجربة دوائية على الأسرى، من خلال التعاقد مع شركات أدوية إسرائيلية لتجربة مفعول الأدوية ومضاعفاتها وارتداداتها على الجسم، ومعرفة إن كان دواء معين له انعكاسات جانبية، وهذا الاعتراف يدلل بأن الأسرى بالنسبة لإسرائيل حقل للتجارب.
وفي الثامن عشر من تشرين ثاني/ نوفمبر العام الماضي كتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في تقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود الإسرائيلية تقول فيه “إن الرعاية الطبية في السجون دون المستوى المطلوب، حيث لا يوجد متابعة علاجية بالقدر الكافي، ولا يتم التعامل مع الحالات المرضية العاجلة على وجه السرعة حيث يتبع نظام الانتظار الطويل، وبالتي تتضاعف معاناة الأسير وتتفاقم ويصبح أمل شفاؤه يتضاءل بشكل حاد.
تدخل عاجل
يضيف الأسير الريماوي في رسالته: “يستدعي هذا الوضع تدخل الجميع من أجل إنقاذ حياة الأسرى من هذا الوباء، فإذا كان العالم يقف عاجزا في مواجهته وفي ظل توفير المستشفيات والامكانيات الكبيرة لديه فما بالكم بالأسير الذي يترك وحيدا دون أدنى التجهيزات، فهو يواجه هذا الوباء بجسده العاري وإرادته حتى يحصن نفسه وزملائه”.
ويتابع: “ماذا سيحدث للأسرى المرضى إن وصلهم الوباء، كالأسير فؤاد الشوبكي المصاب بسرطان البروستاتا، والأسير موفق العروق المصاب بالسرطان في الكبد والمعدة، والعشرات من الأسرى المرض الآخرين الذي لا يتلقون أدنى المتابعة الطبية لهم؟”
ويردف: حتما ستتحول السجون إلى قبور حقيقة إن وصل الوباء، ممنوع أن تتحول السجون إلى قبور، فالمطلوب تحرير الأسير من ثلاثة قيود أولها قيد الاعتقال، وثانيا قيد بالإصابة بالمرض، وثالثا قيد ترك الأسرى يواجهون مصيرهم لوحدهم دون أي مساندة طبية.
معاناة مضاعفة
من لحظة اعتقال الأسير وحتى تحرره تكاد تكون حياته جحيم، حيث يواجه يوميا صنوفا متعددة من الحرمان، وفي ظل فيروس كورونا أصبح ممنوعا من الزيارات ولم يعد قادرا على التواصل مع أهله التي تشكل لديه حالة من الاطمئنان بينه وبين أسرته، وحالة من شحن المعنويات والهمم، كما أن أهله يأتي له بالملابس والأموال حتى يواصل حياته بالشكل الطبيعي، لكن مع الإغلاق التام أصبح الأسير يفتقر لتلك الأشياء، وأضحى في غرفته في ظلمة وظلمة.
يؤمن الأسرى بأن بإرادتهم الصلبة ومعنوياتهم العالية والعمل ضمن المتاح، والتماسك الجمعي بينهم سيمكنهم من تخطي هذا المرض، ولكن المسألة وفق الأسير الريماوي ليست بالأمنيات والدعاء وإنما بالإجراءات الوقائية والاحترازية.
حالة تشبه حياة الأسير
يختم الأسير ظافر الريماوي: “عندما أعلن عن الحجر المنزلي لمنع تفشي فيروس كورونا، قلت أنه على ما يبدو أن هناك نوعا من التشابه بين ما يعيشه الأسير وباقي البشر، وكأن الرسالة تقول بأن المطلوب الإحساس بالأسير ومعاناته وبحالة الإغلاق المطبق عليه التي تحد من قدرته على التحرك، لكن فإن الحجر المنزلي يعني أنك موجود في بيتك وعند أسرتك، وأمامك كل متطلبات الحياة ويمكنك اختيار نوع الأكل التي ستتناوله، ولون ملابسك، كما يتوفر لديك أدوات التواصل الاجتماعي، وأستغرب كيف أن هناك من لا يلتزمون بالحجر رغم كل ما يتوفر لديهم، لذلك عليكم التحلي بالصبر فنحن منذ عشرات السنوات نصبر بعناد وإصرار كبيرين رغم وجعنا وألمنا.