إسرائيل والأبارتهايد

19 يوليو 2020آخر تحديث :
إسرائيل والأبارتهايد
إسرائيل والأبارتهايد

بقلم: علي بدوان عن الوطن العمانية

نحن أمام سياسات إسرائيلية تُعيد إنتاج نظام الفصل العنصري، كما كان سائدا في جنوب إفريقيا قبل انهياره عام 1990، فقد انهار نظام الفصل في جنوب إفريقيا بفعل نضال شعبها، ولم يعد بإمكان أحد في العالم إعادة إنتاج هذا النظام..

دون إطالات في الشرح والتفسير، وعلى خلفية مخطط «ضم» مناطق من الضفة الغربية والأغوار إلى «إسرائيل»، والذي يدفع قُدمًا به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بدعم من بنود «صفقة القرن» الأميركية المسمومة، تجدّد في المشهد الثقافي في دولة الاحتلال الإسرائيلي نقاشٌ يدور منذ سنوات، وقبل مشروع «الضم» أصلا، بشأن مدى ملاءمة «إسرائيل» لنظام الفصل العنصري (الأبارتهايد). ويعود أحد أسباب تفجّر ذلك النقاش، بالأساس من المؤيدين لذلك، إلى تحوّلاتٍ طرأت على السيطرة و»الاحتلال الإسرائيلي» للضفة الغربية، بعد اتفاق إعلان المبادئ مع منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي في أوسلو عام 1993، ونتيجة تعثّر ما يُسمى «المسيرة السياسية» وعملية التسوية. حيث أفضت إليه هذه التحوّلات، من ضمن أمور أخرى، إلى تشكّل نظام مُختلف عن الاحتلال في الضفة الغربية قبل تلك المرحلة، وذلك بناء على سيطرة اليمين على الحكم داخل «إسرائيل» من جهة، وفي ظل السياسات التي يتبعها مع المواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل» من جهة أخرى، موازية ومكمّلة. فقضية فلسطين قضية استعمارية غير محلولة حتى الآن، بل هي آخر قضية من هذا النوع في العالم، وأصبحت تتجلّى على شكل نظام أبارتهايد تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي لتكريسه فوق الأرض المحتلة عام 1967.

وبمتابعة هذا النقاش «الإسرائيلي»، بما في ذلك آخر التحليلات التي ظهرت للتعليق على مخطط «الضم» علبر الصحافة والمطبوعات في «إسرائيل»، يُمكن تصنيفه إلى ثلاثة أقسام أو مواقف على الأقل:

الأول: يرى تطابقًا كاملًا جدًّا بين منظومة الأبارتهايد والنظام «السياسي الإسرائيلي القائم تجاه الشعب العربي الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس. والثاني: الموقف الذي لا يرى المواءمة الواسعة بين «النظام السياسي الإسرائيلي» ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ويمثله غلاة المُتطرفين في احزاب وقوى اليمين واليمين المتطرف كجزب الليكود وأحزاب (شاس) و(يهوديت هتوراه). والثالث: يعتقد أن النظام «الإسرائيلي» هو نظام أبارتهايد، لكنه يفترق عن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في بعض مركّباته، وفي جزء من بنيته السياسية والقانونية، فهو ليس مثل نظام الفصل العنصري في ذلك البلد، وإن حمل بعض مركّباته، غير أنه جدَّد (أو طوَّر) أدوات فصل عنصري جديدة وقوننها وأعطاها (مودرن جديد)، أدوات فصل عنصري لم تكن موجودة في حالة جنوب إفريقيا. وداخل هذا الموقف ثمّة من يؤكد أن الأبارتهايد «الإسرائيلي» يتمثل أكثر شيء في وجود فصل بين منظومتين قانونيتين، واحدة متميّزة ومتفوقة لليهود، وأخرى متدنية للفلسطينيين في أراضي 1967، وتؤسسان أيضًا لما يوصف بأنه «أبارتهايد عاطفي»، وهو مصطلح استعمل لتحليل تفسيرات يعطيها القضاة في «إسرائيل»، وخصوصًا المحكمة العليا، لطلبات التماس ضد هدم بيوت فلسطينيين قاموا بعمليات فدائية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي ومجموعات المستوطنين المسلحين، في مقابل عدم هدم بيوت يهود قتلوا فلسطينيين، ولفت مستخدموه إلى أن الأبارتهايد القانوني يحتاج إلى أبارتهايد عاطفي، يعتبر أن حياة الفلسطيني أرخص من حياة اليهودي، وأن الثكل الفلسطيني لا يساوي الثكل اليهودي.

في واقع الأمر، مثل هذا الأبارتهايد العاطفي قائم في المنظومة القانونية «الإسرائيلية» التي تفصل بين اليهودي والفلسطيني الذي يوصف بأنه غير يهودي، وتمثّل على ذلك قوانين كثيرة سُنَّت قبل ما يسمى بــ»قانون القومية» التمييزي والمرفوض، مثل قانون الحاضر الغائب (1950)، وقانون أملاك الغائبين (1950)، وقانون أساس أراضي إسرائيل (1960)، وغيرها من القوانين التي تقوم على أساس الفصل بين اليهود والعرب في «إسرائيل» بمنطق القوة، وعلى التنكيل بالفلسطينيين وبحقوقهم القومية والتاريخية على أرض وطنهم فلسطين.

كما أنه داخل مركّبات الأبارتهايد «الإسرائيلي» هذا، ثمة من يميز بين فصل عنصري صغير وآخر كبير، فبينما يمثل الصغير الفصل بين الأعراق في المواصلات والأماكن العامة وغيرها، يمثل الكبير الفصل الجغرافي والتمييز العنصري في كل ما يتعلق بالحقوق السياسية العامة والحقوق الوطنية. ويعتقد القائلون بهذا أن الأبارتهايد الصغير هو الواجهة الأولى والمرئية للأبارتهايد «الإسرائيلي» التي يخفي وراءها الواجهة المركزية للأبارتهايد الكبير الذي تمارسه عمليا دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب العربي الفلسطيني…

وعليه، نحن أمام سياسات «إسرائيلية» تُعيد إنتاج نظام الفصل العنصري، كما كان سائدا في جنوب إفريقيا قبل انهياره عام 1990، فقد انهار نظام الفصل في جنوب إفريقيا بفعل نضال شعبها، ولم يعد بإمكان أحد في العالم إعادة إنتاج هذا النظام، حتى بالصيغة التي تسعى لها دولة الاحتلال الإسرائيلي. فزمن الفصل العنصري والمعازل (البانتوستانات) انتهى بلا رجعة.

الاخبار العاجلة