الأرقام وحدها لا تعكس معاناة وتضحيات الفلسطينيين

19 أغسطس 2021آخر تحديث :
الأرقام وحدها لا تعكس معاناة وتضحيات الفلسطينيين
الأرقام وحدها لا تعكس معاناة وتضحيات الفلسطينيين

بقلم : باسم برهوم  

كثيرًا ما يتم التعامل مع معاناة الشعب الفلسطيني وتضحياته بالأرقام، كأن نقول تم تشريد ما يقارب  800 ألف فلسطيني في نكبة عام 1948، أو أن عدد الشهداء منذ النكبة بلغ أكثر من 100 شهيد، والأسرى تجاوز عددهم المليون. الأرقام تعكس من دون شك هول ما أصاب الشعب الفلسطيني من ويلات، وهي ويلات لا تزال مستمرة وهذا ما يجعل من وصف المعاناة أمرًا صعبًا، فالواقع الفلسطيني الذي لا مثيل له، ويمكن تشبيهه بماكنة فرم وهدم ضخمة لم تتوقف منذ أكثر من مائة عام.

الشهداء الأربعة الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين ومخيمها فجر أمس الأول، لهم أمهات وآباء وأخوة وأخوات وأقارب وأصدقاء، كل هؤلاء يعيشون اليوم حالة فقدان صعبة، وهي حالة لا ينتهي الشعور بها مع تقادم الزمن.
وإذا أدركنا أن الشعب الفلسطيني قد فقد منذ بدأ الصراع أكثر من 120 ألف شهيد يمكن أن نتخيل كم هي دائرة الفقدان واسعة وصعبة، والأمر ذاته ينطبق على مليون أسير فلسطيني، الأمر الذي يعني أن الشعب الفلسطيني بالمطلق يعيش، حالة معاناة مستمرة.
يُضاف إلى الأرقام المتعلقة بالشهداء والجرحى والأسرى، معاناة التشريد واللجوء، فأكثر من نصف الشعب الفلسطيني هو لاجئ منذ أكثر من 73 عامًا ممنوع من حق العودة إلى وطنه. صحيح أن قسمًا كبيرًا من هؤلاء لم يعودوا يسكنون في مخيمات البؤس والفقر والقهر، إلا أن معاناة البحث عن هوية وتوريث الذكريات وما معها من حسرة لا تقل ألما عن حياة المخيم. أكثر من 6 ملايين فلسطيني هم بلا وطن، وأكثر من هذا الرقم هم في وطنهم تحت الاحتلال والتمييز العنصري ويعيشون في ظل خوف مزمن  من تهديد سياسة التطهير العرقي وهدم المنازل وتخريب المزروعات، وفي ظل حكم عسكري لا يعرف إلا لغة البطش، بالإضافة إلى الحصار وتضييق ومنع حرية التنقل والحركة.
وأكثر من ذلك هناك معاناة لها علاقة بالجغرافيا ومساحة العيش، فلا يكاد الفلسطيني في الضفة أو حتى داخل أراضي عام 1948 يصحو يومًا دون أن يرى كيف تتقلص الأرض من حوله وتحويل مناطق عيشه من مدن وقرى إلى معازل عنصرية منفصلة بعضها عن بعض بما يشبه الكنتونات. الإنسان الفلسطيني يختنق، يشعر أن دائرة الحبل المربوط على عنقه تضيق كل يوم. وإلى جانب تقلص الجغرافيا، فإن هناك تاريخًا طويلاً من تغير المعالم، فما تراه اليوم قد تراه غدًا أو بعد أسبوع أو شهر، هذا التغير بدأ منذ بداية الصراع، وأخذ طابعًا شموليًا أثناء النكبة، ففي سياق سياسة التطهير العرقي التي نفذها بن غوريون بعد قرار تقسيم فلسطين في نهاية عام 1947 تم تدمير 512 قرية وبلدة فلسطينية وتم مسحها عن الوجود.
800 ألف فلسطيني كانوا هم أصحاب هذه القرى بما فيها من بيوت وكروم وآبار وذكريات، هؤلاء تم تشريدهم وهم اليوم أكثر من 6 ملايين، خبز حياتهم الذكريات المتوارثة والأمل بالعودة.
وبقدر ما تعكس الأرقام المعاناة والتضحيات، فإنها دليل على ملحمة الصمود والكفاح الوطني الفلسطيني، فهي دليل على أن كل محاولات البطش فشلت في كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو أن تثبط من عزيمته على مواصلة النضال. وتكشف الأرقام أن العدو الصهيوني لا يعرف ولن يعرف سر كل هذا الصمود والكفاح بالرغم من أنه واضح مثل قرص الشمس، هو ذلك الرابط العضوي بين الفلسطيني وفلسطين فهي وطنه ولا وطن له غيره.
جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني أصدر تقريرا بمناسبة الذكرى الـ 73 للنكبة قدم فيه كل الأرقام المتعلقة بالشعب الفلسطيني وهي في غاية الأهمية بما فيها من مأساة وأمل، وأي شخص يطلع على هذا التقرير فهو كاف ليعرف هول كل ما مر به الشعب الفلسطيني، ولكن هذه الأرقام هي بمثابة هيكل عظمي يحتاج إلى لحم ودم وأعصاب لتصبح معاناة الفلسطيني أكثر وضوحًا. لذلك أنصح القارئ أن يطلع على هذا التقرير ويرسم وحده صورة المعاناة وملحمة الصمود والنضال الوطني الفلسطيني.

الاخبار العاجلة