الخطاب

28 سبتمبر 2021آخر تحديث :
الخطاب
الخطاب

بقلم : فتحي البس   

استمعت لخطاب السيد الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة، أكد فيه على الثوابت التي وردت في وثائق منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، ومؤتمرات حركة “فتح” واجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني، لا جديد يثير شبهة تغيير أو انحراف عن التمسك بثوابت تبناها الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقادت إلى اغتياله بالسم، بل أضاف عليها أبو مازن تهديداً بإعادة النظر في مرجعية حل الدولتين، الدولة الفلسطينية على حدود 1967، لإعادة المطالبة بحدود قرار التقسيم رقم 181، إذا لم تنسحب إسرائيل من حدود الدولة الفلسطينية التي تعترف بها الأمم المتحدة والمبادرة العربية.
كعادته، ظل منسجمًا مع رؤيته الفكرية والسياسية وفهمه للحركة الصهيونية والصورة الكلية للصراعات الدولية والإقليمية والوسائل المتاحة للشعب الفلسطيني والخيارات البديلة، هذه الرؤية التي نثرها في 24 كتابا قرأتها كلمة كلمة من أجل فهم أعمق لمسيرته محاولاً رصد أي تناقض فيها، وهل خرج في مرحلة من المراحل عن دعوته المستمرة للمزاوجة بين وسائل المقاومة كافة من أجل انتزاع اعتراف دولي بعودة فلسطين إلى خريطة العالم الجغرافية والسياسية بعد أن نجحت إسرائيل الغاصبة ولسنوات طويلة من شطبها، وفي جوهر هذا التفكير، أن عودة فلسطين هذه هي لبنة لبناءٍ يتراكم يشكل نقيضاً لإسرائيل ويعمِّق أزمتها، ولا يترك مشروعها الصهيوني وحده لا ينازعه في المحافل الدولية إلا كلام عن حقوق لاجئين بالعيش والعودة، وفقاعات كلام عن الالتزام بتحرير فلسطين بالقوة من دول لم يهمها في كل الأوقات إلا حماية حدودها التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.
سارعت فورا إسرائيل على لسان ممثلها في الأمم المتحدة جلعاد أردان لإدانة خطاب أبي مازن، مثرثرا “إن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أثبت مرة أخرى أن وقته قد انتهى”، كذلك فعل فوزي برهوم الناطق الرسمي باسم حماس زاعما ومدعيا ومزاودا أن ” الخطاب جاء دون المستوى والتحديات الجسيمة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية”.
 وكلاهما يتجاوز على حقيقة المحتوى الشامل للخطاب، الأول لأنه يدافع عن مشروعه الصهيوني، والثاني لأن له موقفاً مسبقاً يريد أن يجرد أبا مازن من أي مصداقية، لأنه يرى في خطاب حركته وممارستها كل المصداقية، مع أن الحقائق على الأرض مغايرة، وجوهر وثيقة حماس الإصلاحية التي أعلنها خالد مشعل عندما كان رئيسا لمكتبها السياسية 2017 التي توافق فيها عمليا على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، لا تتناقض أبدا مع مطالبة ابي مازن وتختلف فقط بنص غامض يقول “فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة”، دون أن يحدد هل إقامة هذه الدولة تكون بالقتال أم بالمفاوضات أم بكليهما، وكيف ستتحقق بالقتال إن كان السبيل الوحيد، بينما حماس في الواقع تفاوض إسرائيل من أجل هدنة دائمة مقابل شروط حياتية واقتصادية يرفضها أبو مازن في خطابه.
ويظن من يقرأ دون تركيز أن محمود عباس لا يعرف أن الفلسطينيين وجهوا وما زالوا يوجهون نقدا حادا لأوسلو ومسارها، لكن قوله:
وها قد مر عام وفلسطين، وطن محمود درويش ووطن إدوارد سعيد، تمارس دورها في اليونسكو بمسؤولية ومهنية عالية، وتلتزم بالمواثيق الدولية، وتتعاون مع جميع الدول الأعضاء من أجل تحقيق أهداف المنظمة، وتقدم نموذجا لما سيكون عليه إسهامها الإيجابي البناء في المنظمات الأممية” يشير إلى أنه يعرف ذلك تماما، فدرويش استقال من اللجنة التنفيذية للمنظمة احتجاجا، وسعيد شرّح أوسلو ووجه ضدها أشد النقد والرفض، فيأتي أبو مازن ليشير بذكاء إلى أن فلسطين وطن درويش وسعيد، أي أنه يقر بالمعارضة لأوسلو، ويحترم الاختلاف في الرأي.
أريد أن أصل إلى الخلاصة: أبو مازن وقيادة حماس بينهما توافق على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وأعتقد أن تسريع إقامة هذه الدولة يكون فقط بوحدة فلسطينية تضع القاسم المشترك الأعظم بينهما موضع التنفيذ، بعيداً عن تبادل التهم، والإسراع في لم الشمل في منظمة التحرير الفلسطينية دون انتظار ودون وهم أن الدول التي تقيم أفضل العلاقات مع إسرائيل، ستسهم في انجاز المصالحة والوحدة، إن ذلك يكون فقط بالانسجام الكلي مع البرامج التي أقرتها وثائق حماس وفتح.

الاخبار العاجلة