فشل استحضار الحكم العسكري

29 أغسطس 2021آخر تحديث :
فشل استحضار الحكم العسكري
فشل استحضار الحكم العسكري

بقلم : عمر حلمي الغول   

دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية لم تتوقف يومًا عن ضخ الكراهية والحقد والعنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين العرب وفي المقدمة منهم اتباع المذهب الدرزي والشركس والبدو، رغم أنها ادعت وأعلنت في العام 1966 عن إلغاء الأحكام العسكرية، التي فرضتها مع نشوء وتأسيس الدولة المارقة والخارجة على القانون في العام 1948، وأحالت قضايا أبناء الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة لجهاز الشرطة ومؤسسات المجالس الإقليمية. لكنها في الحقيقة، وبالممارسة العملية لم توقف أية من انتهاكات الحكم العسكري، الذي استند لقوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945 وافرازاتها الصهيونية، والتي اتكأت على 162 مادة لإنتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني على مدار الساعة.

هذه القوانين المرفوضة عالميًا، والمدانة، والملغاة من قوامس ودساتير الدول الديمقراطية، مازالت تطبق على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في مناطق ال48 بشكل مستتر، وأراضي الدولة الفلسطينية المستعمرة عام 1967 بشكل سافر وعلني، وتجد صداها بشكل صارخ في كل ملمح من ملامح العلاقة التبادلية بين الدولة الإسرائيلية القائمة بالاحتلال، وبين أبناء الشعب الواقع تحت نير الاستعمار، وتبرز بقوة في عمليات الاعتقال لابناء الشعب دون وازع قانوني، أو تهم محددة، وتفرض عليهم الأحكام الإدارية بشكل متعمد ومقصود.
وبعد هبة القدس الرمضانية المجيدة في أيار/ مايو الماضي (2021) ونهوض أبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة دفاعًا عن أشقائهم في الدم والمصير في القدس العاصمة الأبدية لفلسطين وقطاع غزة، قامت أجهزة الأمن البوليسية الصهيونية باستحضار الاحكام العسكرية العرفية عليهم عبر شن حملة اعتقالات واسعة وغير مسبوقة منذ ذلك الزمن، الذي استمر حتى العام 1968، حيث قامت باعتقال 280 مواطنًا فلسطينيًا من اللد وحدها، مازال منهم 41 مواطنًا حتى الآن رهن الاعتقال، ووجهت لهم تهم باطلة، لا أساس لها من الصحة عبر لجوء أجهزة القمع الاستعمارية العنصرية لتلفيق التهم، أو انتزاع بعضها من خلال سياسة فرضها بالترهيب، وتشويه الوجوه، والتنكيل والتعذيب الوحشي لهم في زنازين الموت الإسرائيلية، ورفضها زيارة المحامين للمعتقلين واللقاء معهم، ونشر الأكاذيب عن عائلاتهم، وخاصة أمهات بعضهم، بالإدعاء انهن “ماتن”، وان على المعتقل ليودع والدته التوقيع على “اعتراف” لا يمت للحقيقة بصلة.
كما أن حملة الاعتقالات الوحشية طالت كل أبناء فلسطيني الداخل في المدن والقرى والبلدات الفلسطينية في ال48 في حيفا وعكا والرملة والناصرة وشفا عمرو وسخنين وكفر قاسم والطيبة وام الفحم ويافا وبئر السبع وقراها المعترف وغير المعترف بها.. لم يتركوا بيتًا فلسطينيًا من أذاهم وانتهاكاتهم وجرائمهم الإرهابية والفاشية، وذلك بهدف كي الوعي الفلسطيني المتجذر في أوساط فلسطيني الداخل من الجنسين على حد سواء. لا سيما وأن الهبة العظيمة كشفت عن خواء 73 عامًا من سياسات التطهير العرقي، وغسل الدماغ، وإفلاس المنظومة الصهيونية بكل موبقاتها وجرائمهما وممارساتها العدوانية، ومبدأ “فرق تسد”.. الخ من الحرب النفسية، وأسلحة الأقصاء والملاحقة والطرد من العمل، والمحاربة بلقمة العيش.
هذه الحرب الإجرامية دفعت أبناء الشعب في داخل الداخل إلى اشتقاق وابتداع وتعميق أساليب كفاحية جديدة ونوعية لمواجهة تحديات اللحظة في التكافل والتكامل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والنفسي والقانوني الحقوقي، وتجذير الانتماء للهوية الوطنية، وللرواية الفلسطينية دون سواها، والتخندق في خنادق تاريخ وموروث الشعب الحضاري، ورفض كل عمليات التزوير والتعايش بين الروايتين الفلسطينية العربية المحقة، والرواية الصهيونية المزورة والكاذبة، لأن مبدأ الإقرار بالرواية الصهيونية، ومهما كان حجم المرونة في هذا المفصل، معناه الإقرار بشرعية واحقية الوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية العربية، وهذا ما لا يجوز، ويفترض أن يحارب بقوة ودون هوادة.
وهنا فرق كبير وشاسع بين القبول بالتسوية السياسية، وإمكانية وجود جسور للتعايش في نطاق منظومة الحكم بما يخدم مصالح أبناء الشعب، والتمهيد لبلوغ نفي وإلغاء القوانين العنصرية وسياسات الإكراه والترهيب، ونفي الرواية الاصلانية والنكبة، وتحقيق المساواة الكاملة. وبين مبدأ القبول ب”التعايش” بين الروايتين، وهو ما يتطلب التمييز جيدا بين الحق التاريخي القائم على العدالة التاريخية والسياسية والقانونية المطلقة، وبين اشتراطات اللحظة السياسية.
وأيًا كانت الأساليب والانتهاكات وعمليات التنكيل والترهيب الصهيونية وأجهزتها الأمنية، فإنها لن تفلح نهائيًا في كي الوعي الفلسطيني، ولن تنجح في تحقيق مآربها، ومن يدرك هذه الحقيقة من الصهاينة، يستطيع أن يستنتج ما يفرضه عليه الواقع لحماية ذاته ومصيره.

الاخبار العاجلة