هل الحراك في الجامعات الأميركية معاد للسامية؟

4 مايو 2024آخر تحديث :
هل الحراك في الجامعات الأميركية معاد للسامية؟
هل الحراك في الجامعات الأميركية معاد للسامية؟
هل الحراك في الجامعات الأميركية معاد للسامية؟

الكاتب: د.رمزي عودة – أدان الرئيس الأميركي احتجاجات الطلبة في الجامعات الأميركية واصفا إياها بالمعادية للسامية، وأوضح بايدن بأن “لا مكان لمعادية السامية في الجامعات الأميركية”، مؤكدا ضرورة عدم السماح لهذه المظاهرات والاعتصامات الطلابية والتي تطالب بوقف العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وسحب استثمارات الجامعات الأميركية في إسرائيل.

وبنفس السياق، أكد رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون ضرورة قيام إدارة بايدن بفض الاعتصامات في الجامعات الأميركية بأسرع وقت ممكن، معتبرا اياها ظاهرة خطيرة وغير مسبوقة تشير الى تنامي معاداة السامية في المجتمع الأميركي.

ليس هذا فقط، بل إن مجلس النواب الأميركي وفي خطوة اعتبرت ردا على تنامي مظاهرات احتجاج الطلبة في الولايات المتحدة، أقر الأربعاء الماضي، بأغلبية ساحقة مشروع قانون من شأنه توسيع التعريف المعتمد في وزارة التعليم لمصطلح “معاداة السامية”، بحيث يشتمل على أي مشاعر أو تصرفات تناهض اسرائيل وليس اليهود فقط!.

في الواقع، لقد سعت المنظمة الصهيونية العالمية والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، الى توسيع مفهوم معاداة السامية لكي يشتمل على أي انتقاد لإسرائيل أو رفضا لوجودها، ونجحت هذه المنظمة بإقناع بعض البرلمانات الاوروبية باعتماد قوانين تشير الى أن رفض وجود اسرائيل أو رفض سياستها يعتبر شكلا من أشكال معاداة السامية باعتبار إسرائيل “مجموعة يهودية”!.

ولا يخفى على أحد أنه اذا ما توسع مفهوم معاداة السامية بالشكل الذي تسعى اليه الحركة الصهيونية، فإن الفلسطينيين هم أول المجموعات التي ستعتبر معادية للسامية، لأن حقهم في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ورفضهم لهيمنة وسيطرة إسرائيل عليهم ستعتبر شكلا من أشكال معاداة السامية. وبالضرورة، سيلاحقون قضائيا وفقا لهذا الأساس، ليس فقط بتهمة الارهاب كما يحلو للإدارة الأميركية وسمنا بها، وإنما ستلحق بهم أيضا تهمة معاداة السامية.

في الحقيقة، لا يمكن اعتبار مظاهرات واحتجاجات الطلبة في الجامعات الأميركية شكلا من أشكال معاداة السامية بسبب الاعتبارات التالية:

أولا: إن اتهامهم بمعاداة السامية وتوسع تعريف هذا المفهوم يمنع الطلبة من حقهم في التعبير عن النفس وإبداء الرأي والاعتقاد، وهو ما حفظته جميع الأعراف الدولية والوطنية بما فيها وثيقة الحريات، والتي تعتبر مرجعية الحقوق الأساسية في الولايات المتحدة.

ثانيا: إن معاداة اسرائيل أو انتقاد سياستها لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال معاديا للسامية لعدة أسباب أهمها، أولا: إن إسرائيل فيها مسلمون ومسيحيون ودروز وغيرهم. وبالضرورة، لا يمكن اعتبارها دولة مجموعة يهودية. وثانيا: لا يمكن مصادرة حق أي انسان في انتقاد دولة ما أو رفض سياستها خاصة اذا كانت هذه الدولة هي إسرائيل، حيث انها دولة مارقة تتنكر للقانون الدولي وتستمر في احتلالها للأراضي الفلسطينية وتقتل وتسلب أراضي الشعب الفلسطيني. وثالثا إن مفهوم معاداة السامية جاء بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة تنامي مشاعر الكراهية لليهود باعتبارهم إثنية، ولا يمكن توسيع المفهوم قانونياً ليشمل إسرائيل حتى لو كانت هذه الدولة تمثل اليهود فقط، لأن الدول لها مصالحها وسياساتها المختلفة والمتناقضة وغير المقدسة أيضا، وإذا ما توسع مفهوم معاداة السامية ليشمل إسرائيل فهذا يعني أن سياسات إسرائيل ستكون محمية وغير قابلة للنقد أو الاعتراض!

ثالثاً: إن المطالبة بمقاطعة إسرائيل ليست ضربا من ضروب معاداة السامية. بل على العكس، إن هدف أي مقاطعة هو تصويب سياسات الدولة والضغط عليها لتغيير سياستها. وبالتالي لا يمكن فهم المقاطعة أنها تعني إلغاء وجود الدولة.

رابعا: إن شعار “من البحر الى النهر.. فلسطين حرة”، والتي يرددها الطلبة المحتجون، ليست عبارة تشير الى معاداة السامية، حيث ان فلسطين التاريخية تعتبر الوطن القومي للشعب الفلسطيني، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، ولا يعني رفع هذا الشعار الغاء وجود أي دولة، ولكنه يعني أن اسرائيل شوهت مفهوم الوطن القومي للفلسطينيين من خلال سياسة التطهير العرقي التي استخدمتها منذ عام 1948 وحتى الآن ضد الشعب الفلسطيني.

بالنتيجة، إن رد فعل الإدارة الأميركية على هذه الاحتجاجات سواء من خلال فض اعتصامات الطلبة أو من خلال الاتهامات بمعاداة السامية أو من خلال مشروع قانون معاداة السامية في التعليم لا يعتبر عملا أخلاقيا وقانونيا. فعلى الولايات المتحدة التي نشرت مفاهيم الديمقراطية والليبرالية أن تحترم تلك المبادئ أولا قبل أن تحاسب الغير على عدم تطبيقها. وعلى الولايات المتحدة أن تغير سياستها المتحالفة كليا مع إسرائيل، وأن تستمع لصوت الحراك الطلابي لا أن تستمر في دعم إسرائيل المطلق. بالمقابل، على مجموعات الضغط الطلابية في الولايات المتحدة أن ترفع شعار “معاداة الفلسطنة” ليس فقط ردا على محاولات التوسع في مفهوم معاداة السامية، وإنما أيضا لحماية حراك الطلبة أنفسهم من أي مساءلة قانونية.

الاخبار العاجلة