الحقوق الوطنية الفلسطينية في القانون الدولي

5 نوفمبر 2020آخر تحديث :
الحقوق الوطنية الفلسطينية في القانون الدولي
الحقوق الوطنية الفلسطينية في القانون الدولي

احمد عساف- الحياة الجديدة

قد يكون من المهم في الذكرى الـ 103 لوعد بلفور، تذكير المجتمع الدولي بالحقوق الوطنية السياسية للشعب الفلسطيني، والمنصوص عليها في القانون الدولي. وهناك ضرورة للربط بين هذا التذكير المتعلق بوعد بلفور، والرد على أصحاب صفقة القرن ومنظريها الذين يحاولون الإيحاء، أو حتى الحديث بشكل واضح، بأن الحقوق الوطنية الفلسطينية المتعارف عليها لم تعد قابلة للتطبيق وان الواقع قد تجاوزها. وجهة النظر هذه اما انها تعبير عن مواقف اليمين الاسرائيلي، الذي لم يعترف يوما بهذه الحقوق، بل يتنكر لها ويتنكر لأي وجود سياسي او حقوقي للشعب الفلسطيني، او انها تعبير عن موقف يلبي مصالح مباشرة لأطراف عربية تعتقد ان تحالفها مع إسرائيل يضمن لها نوعا من الحماية.

المقولة الشائعة، إن السياسة هي فن الممكن لا تعني بأي حال التنازل عن الحقوق الاساسية، بل هي وسيلة لتحقيق مرونة معينة، او تنازلات متبادلة من دون المس بالجوهر، جوهر الحقوق الإستراتيجية. وهنا نعود لأصحاب صفقة القرن، فالشعب الفلسطيني، الذي يواجه منذ أكثر من مائة عام، منذ وعد بلفور عام 1917 مشروعا صهيونيا استعماريا ينكر وجوده وحقوقه الوطنية التاريخية، ويحصر هذه الحقوق بالدينية والمدنية فقط. هذا الشعب استطاع ان يكرس حقوقه في المؤسسات الدولية عبر كفاح مضنٍ وطويل. وخلال هذه المسيرة الكفاحية بلور الشعب الفلسطيني وقيادته في كل المراحل اهداف مشروعه الوطني بالاستناد للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها منذ عام 1947، وبالتحديد منذ اصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين رقم (181) والذي وبالرغم ما فيه من اجحاف فقد تضمن اقامة دولة فلسطينية.

ويبدو ان اصحاب الصفقة ومنظريها يتناسون عن عمد ان فلسطين قد اصبحت منذ عام 2012 دولة مراقب في الامم المتحدة، وان رئيس هذه الدولة يتم استقباله بصفته الشرعية والقانونية، ويخاطب الجمعية العامة ومجلس الامن وكافة المؤسسات الدولية استنادا لهذه الصفة. التوضيح السابق يؤكد ان لدولة فلسطين صفة قانونية وتعترف بها أكثر من 140 دولة وتتبادل معها السفراء والبعثات الدبلوماسية. وقبل ذلك كانت الامم المتحدة قد اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني منذ العام 1974، كانت المنظمة تتمتع بصفة مراقب في الأمم المتحدة باعتبارها (حركة تحرر وطني)، وفي العام ذاته اصدرت المنظمة الدولية سلسلة قرارات تعترف فيها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وحقه في الاستقلال الوطني. وتجدر الاشارة هنا الى ان شرعية منظمة التحرير القانونية الاولى قد حصلت عليها ضمنيا من اتفاقية جنيف الرابعة، للعام 1949، التي اعترفت بحق حركات التحرر الوطني في مقاومة الاحتلال، ومن اجل الحرية والاستقلال.

كما لا بد من التذكير، ان اتفاقية جنيف الرابعة المشار اليها تشكل سندا قانونيا هاما لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، فهذه الاتفاقية لا تعترف بأي تغيير تقوم به قوة الاحتلال في الواقع الموجود في الارض المحتلة. كما ان حق العودة للاجئ الفلسطيني لا يقتصر الاعتراف به على قرار الامم المتحدة رقم (194) وانما على ما ينص عليه القانون الانساني من حق اي فرد ان يغادر وطنه وتحت اي ظرف ان يعود اليه متى يشاء.

قد يبدو ان اهمية القانون الدولي قد تآكلت في عهد الرئيس الاميركي ترامب، او ان تكون اسرائيل قد فرضت واقعا بقوة الاحتلال، الامر الذي قد يستغل من أطراف عديدة لإقناع الشعب الفلسطيني بتنازل عن بعض حقوقه الاساسية، ولكن هذه التطورات ليس من شأنها ان تغير من الواقع القانوني للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة غير القابلة للتصرف. القيادة الوطنية الفلسطينية، تاريخيا والان ممثلة بالرئيس محمود عباس تميز جيدا بين المرونة واهميتها للتقدم في اي تسوية سياسية، وبين التنازل عن الحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني والمتمثلة بحق العودة وتقرير المصير والحق بالحرية والاستقلال الوطني بما في ذلك اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وردا على مسوقي صفقة القرن، فإن المجتمع الدولي لم يعترف ولم يتعاطَ مع خطوات وقرارات الرئيس ترامب سواء منها ما يتعلق بالقدس المحتلة، او بما يتعلق بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وكذلك مواقفه من الاستيطان الاسرائيلي، بل ورفضها رفضا قاطعا لأنها تنتهك القانون الدولي. قد يمر النظام العالمي في فترات يتراجع فيها الاهتمام قليلا بهذا القانون ولكن الانسان والحضارة الانسانية لن تعود الى الخلف في منظومة القيم والقوانين التي طورتها عبر تضحيات هائلة، لذلك لا يمكن وصف مواقف القيادة الفلسطينية بأن عفا عنها الزمن، فهذه المواقف هي تعبير عن ارادة شعب يناضل من اجل الحرية والاستقلال، وهي حق لا يسقط بالتقادم مهما بلغ حجم الظلم.

 

الاخبار العاجلة