
الكاتب: موفق مطر – لا يجيز أدب حرية الرأي والتعبير الاعتداء على الحقوق الإنسانية والشخصية للآخر مهما اتسعت فجوات الخلاف، ومن يفعل، فإما أنه مصاب بانفصام الشخصية، أو بعقدة نفسية نتيجة التعبئة السياسية الفاسدة، والمفسدة للروح الإنسانية أصلا، وربما مصاب بزيغ البصر، وانحراف الرؤية، فالأصل في حرية الرأي والتعبير هو الالتزام بقواعد الحوار والنقاش، وإثراء الآراء بالمنطق والحجة والبراهين العملية، أما العجز عن إدراك رؤى ومواقف وسياسات الآخر في الوطن، فليس مبررا لتعكير أجواء الرأي والتعبير التي يجب الحرص على
نقائها وطهارتها من طغيان الأنا المقيتة، واقتحامات مجموعات، مشبعة بالعداء والكراهية، التي يبدو أن مهمتها الأساس، تفجير قيم التخاطب العقلاني بين أفراد المجتمع ، كما تفرضه الطبيعة الإنسانية، ولا عجب في رؤية جيوش على شكل ذباب إلكتروني، أو مجموعات منظمة متسللة إلى بيوتنا، باسم وسائل إعلام وشبكات إخبارية وحوارية وغيرها!
بات مؤكدا مما تنشره وتبثه، انعدام أخلاقيات المهنة فيما يفترض أنها رسالة إعلامية، وضرب مواثيق العمل الإعلامي عرض الحائط، فهنا لم يسقط الضمير الناظم للرسالة الإعلامية سهوا، وإنما بالضربة القاضية!!. فليس من أخلاق الفرسان القدح والذم، وإيقاد نيران الفتن الداخلية! فتأصيل وتعزيز ثقافة الوحدة الوطنية، عنوان الرسالة الإعلامية أيا كان مضمونها، المؤيدة بالحقائق والوقائع، وسيلتنا لاتقاء كل عوامل الحقد والتعرية، والانقسام والتشظي.
أما اختلاف وجهات النظر، فإنها إذا ما توفرت النوايا الحسنة، طاقة عظيمة، رافعة ودافعة للخطاب العقلاني، والواقعية السياسية، وضرورة لبلورة أي فكرة، تعزز الرواية الفلسطينية الإنسانية، بمضمونها التحرري بكل أبعاده ومساراته، وتستعجل تحقيق الأهداف الوطنية، وأولها بناء الإنسان، باعتباره الأساس لبناء الوطن، فالإبداع من أجل تكوين وتشكيل فكرة الوطن (فلسطين) والانتماء بأعلى درجات الكمال والانسجام عمل نبيل، حيث نجسد جمال الفكر الوطني الإنساني، ونجعله حقيقة دائمة في الآفاق، كمصدر إلهام للأجيال القادمة.
يتعرض مشروعنا الوطني الفلسطيني، والمناضلون الأوفياء لحملات منظمة منذ عقود، حيث يتم قذفهم بقنابل التخوين، والتكفير، وأحكام بلا تحقيقات أو محاكمة بالعمل لصالح منظومة الاحتلال العنصرية! كل هذا تحت شعار الرأي، والرأي الآخر، حيث لا حدود لأساليب الخداع والمناورة، وتنفث السموم على الوعي الفردي والجمعي، حتى بتنا نواجه أسراب جراد إعلامي تأكل الأخضر واليابس من الحقيقة، ومن قدرة المتلقي على بسط بصره على جوانب منها ولو كانت بسيطة!.
إن حرية الرأي والتعبير حق طبيعي، لكن يجب التفريق بين مخلص، صادق، نزيه، أمين، ملتزم بالقيم والأخلاق، يأخذ الحقائق سبيلا للارتقاء بمستوى التفكير العقلاني للمتلقي، وتمكين بصيرته من احتواء الحدث، دون تدخل فج وفظ، أو مخادع ممن امتهنوا ابتداع غزوات وإنجازات وانتصارات، ليست موجودة إلا في مخيلتهم! أما أخذ الوسيلة الإعلامية منصة للحكم على هذا أو ذاك بالوطنية، أو تجريده منها، أو توزيع شهادات تقدير ومنح أوسمة بطولة، أو التشكيك بالرموز الوطنية، فإنها أجندات جيوش مموهة بأسماء إعلامية، مهمتها قصف مشروعنا الوطني، وعلى مبادئ التحرر والاستقلال والحرية، والتفكير والرأي والتعبير، وثقافة السلام، تنتهك حق المتلقي علنا، وتسلبه حواسه، ومشاعره، وأحاسيسه الإنسانية، وقدرته على التفكير ببطء، وعندما يستفيق، إذا استفاق، سيجد نفسه مسلوب الإرادة والقرار.