“إسرائيل” ووهم تصفية الوجود الوطني الفلسطيني

27 فبراير 2023آخر تحديث :
باسم برهوم
باسم برهوم
“إسرائيل” ووهم تصفية الوجود الوطني الفلسطيني

الكاتب: باسم برهوم منذ أن كانت الصهيونية فكرة يتم إنضاجها وبلورتها في أوروبا، في القرن التاسع عشر،

كان القائمون عليها يدركون أنها لن تتحقق على الأرض إلا من خلال القضاء على الوجود الوطني الفلسطيني،

الخطوة الأولى كان لا بد أن تتم السيطرة على تاريخ فلسطين،

بهدف السيطرة على حاضرها، والخطوة الثانية، تبني النظام الدولي المسيطر للفكرة ودعمها وتنفيذها،

وهذا بدأ بوعد بلفور البريطاني عام 1917.

عملية التنفيذ لن تكتمل من وجهة نظر هؤلاء إلا من خلال طرد الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني،

ومحاولة شطب فلسطين من الذاكرة العالمية، ومنع أي محاولة لإعادة إحياء الوطنية الفلسطينية.

ساد الاعتقاد خلال ثمانينيات، وبداية التسعينيات،

مع ظهور حركة السلام كحركة جماهيرية واسعة في إسرائيل،

ومع اعتراف حكومة رابين – بيريس بالشعب الفلسطيني في اتفاقيات أوسلو عام 1993،

قلبت إسرائيل صفحة التنكر الكامل، وادعاء حصرية امتلاكها للأرض،

ولكن شهر العسل القصير جرى الانقلاب عليه من اليمين الصهيوني،

بدءًا من عملية اغتيال رابين في خريف عام 1995. منذ ذلك التاريخ عادت إسرائيل وأغلقت نفسها على وهم إلغاء وتصفية الوجود الوطني الفلسطيني،

وأعادت الادعاء بأن “أرض إسرائيل ” تشمل كل المنطقة من البحر إلى النهر،

وهو الادعاء الذي وصل ذروته بسن قانون يهودية الدولة التي تشمل كل فلسطين التاريخية عام 2018.

في السنة الأخيرة عادت فكرة الإبادة، المستعارة من “سفر يوشع”،

لتسيطر على معظم الطبقة السياسية، لفرض يهودية الدولة بالقوة،

وعبر ارتكاب المذابح، وشاهدنا موجة الجنون في عمليات الاقتحامات اليومية للمدن الفلسطينية والقتل المتعمد والإعدامات الميدانية

والتي كان آخرها اقتحام نابلس، العصية على الانكسار، وارتكاب مذبحة هناك.

كل هذا بالتزامن مع هجمة لهدم منازل الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان،

وشرعنة البؤر الاستيطانية، تمهيدًا لعملية ضم واسعة من أرض الشعب الفلسطيني في الضفة.

في سياق الانقلاب، وتغذية وهم تصفية الوجود الوطني الفلسطيني،

كان بالضرورة أن تصل إسرائيل إلى لحظة تكشف فيها عن طبيعتها الفاشية العنصرية،

وهو ما نعيشه هذه الأيام مع حكومة نتنياهو- سموتريتش- بن غفير، الأكثر يمينية وتطرفًا،

والتي تسعى لإلغاء أي هامش لاستقلال السلطة القضائية، وهو ما فجر أزمة داخلية وانقسامًا حادًا داخل إسرائيل.

خلال أكثر من مئة عام، لم تتعلم النخب الصهيونية من التجربة،

وواصلت محاولة تطويع الواقع بكل السبل، ولعل تجربة حرب 1948،

والتي قادت لنكبة الشعب الفلسطيني، في حينها اعتقد القادة الصهاينة الأوائل،

مؤسسو دولة إسرائيل، أنهم نجحوا في تصفية الوجود الوطني للشعب الفلسطيني،

وشطب فلسطين نهائيًا من الخارطة والذاكرة. وعندما شنت إسرائيل حرب عام 1967،

اعتقدت أنها استكملت تنفيذ الفكرة وأصبحت “أرض إسرائيل” كلها في قبضتها وأن بإمكانها تطويع ما تبقى من “سكان محليين”،

وجاءت انتفاضة الشعب الفلسطيني نهاية عام 1987 لتقلب كل هذه المعادلة رأسًا على عقب.

لقد فشلت الصهيونية في إلغاء الشعب الفلسطيني في حرب 1948

عندما بعثت الثورة الفلسطينية هذا الوجود إلى واقع الشرق الأوسط من جديد عام 1965.

واكتمل هذا الانبعاث بالانتفاضة التي سحبت البساط من تحت أقدام الاحتلال. اليوم تعاود إسرائيل الكرة،

وهي تعتقد أن لديها فرصة في ظل الانقسام الفلسطيني،

وإنهيار وتفكك دول عربية، وتطويع أخرى. وعلى الصعيد الدولي لا تزال تحظى إسرائيل بالدعم والتغطية الكاملة على جرائمها،

بالإضافة إلى انشغال العالم في أزمات وصراعات أخرى، خصوصًا الحرب في أوكرانيا.

ما لا تتعلمه إسرائيل من دروس هو أن تزوير التاريخ لن ينتصر على حقائق التاريخ،

وأن الشعب الفلسطيني هو حضارة عريقة متجذرة بالمكان،

وأنه لم يوجد في هذا المكان بالصدفة، كما تروج الرواية الصهيونية. أو أن هويته الوطنية هي مفتعلة نشأت بحكم الصراع الراهن فقط.

علينا أن ننظر للهجمة الصهونية الحالية، بأنها إحدى حلقات الصراع،

هي خطيرة وظروفها المحلية والعربية والدولية صعبة، وأن مواجهتها والتغلب عليها يحتاجان إلى موقف فلسطيني موحد،

ومركز قرار سياسي وطني واحد. صحيح أن وجود الشعب الفلسطيني كحقيقة تاريخية وواقعية لن تستطيع إسرائيل الصهيونية المتطرفة إلغاءه،

ولكن ما نريده، أن ننجح نحن من خلال وحدتنا وتماسكنا في إقناعها بشكل أسرع

بأن وهمها في تصفية الوجود الوطني الفلسطيني المتجذر في التاريخ،

وفي هذه الأرض هو أمر بائس ومن سليل مرحلة الاستعمار القديم.

الاخبار العاجلة