الثورة الفلسطينيّة.. اختراق المستحيل

30 ديسمبر 2021آخر تحديث :
الثورة الفلسطينيّة.. اختراق المستحيل
الثورة الفلسطينيّة.. اختراق المستحيل

صوت الشباب 30-12-2021  الكاتب: باسم برهوم    مضى على انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة 56 عاما، وقد يكون الجيل الجديد لا يعرف أن هذه الثورة كانت بمثابة اختراق تاريخي، بل هي ما يشبه المستحيل. بعد نكبة عام 1948، وبعد اختفاء فلسطين وشعبها عن الخريطة السياسية والجغرافية، وبعد أن اتخذت تدابير دولية وإقليمية ليس فقط لطمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وإنما أيضا لمنع اي محاولة لهذا الشعب للعودة للمشهد السياسي كشعب وقضية.

وكان بالتزامن مع كل ذلك تجري محاولات لتصفية قضية اللاجئين كفصل أخير يتم معه دفن كل المسألة الفلسطينية.

ولمن هم من جيلي ربما يتذكرون أننا لم نكن نجرؤ أن نجاهر بهويتنا الفلسطينية ويقول الواحد منا “أنا فلسطيني”، ربما المكان الوحيد الذي كان بإمكان الفلسطينيين المجاهرة بهويتهم بأريحية معقولة في قطاع غزة، الذي كان تحت الإدارة المصرية. كما نذكر كيف حملنا بعض العرب مسؤولية نكبتنا عبر ادعاءات باطلة بأن الفلسطينيين “باعوا ارضهم وجاؤوا الى بلادنا”، فكان الفلسطيني بين فكي كماشة، فهو من جهة يخضع لمراقبة ولمطاردة المخابرات وأجهزة الأمن، ومن جهة أخرى تلاحقه الشائعات، والادعاءات الكاذبة من كل حدب وصوب.

وخلال سنوات حياتي سمعت قصة الانطلاقة، والتحضير لها من معظم القادة المؤسسين لفتح، الذين كانوا منخرطين بالتحضير، وفي اتخاذ قرار موعد القيام بالعملية العسكرية الاولى ضد الاحتلال الاسرائيلي، والاعلان عنها في بيان عسكري باسم قوات العاصفة. وما أجمع عليه كل الرواة من الزعيم الخالد الشهيد ياسر عرفات، والرئيس محمود عباس “أبو مازن”، وأمير الشهداء خليل الوزير وغيرهم من القادة، أن كل هذه التحضيرات والاجتماعات كانت تحاط بالسرية التامة مخافة أن تحبطها أجهزة المخابرات العربية، فالسرية والنقاش الديمقراطي المسؤول كان مفتاح النجاح.

وكان المؤسسون يدركون تماما المخاطر التي تنتظرهم بعد إطلاق الثورة من حملات تشكيك ومطاردة واعتقال واغتيال، لأن ما كانوا ينوون القيام به معاكس للتيار وللإرادات الدولية، والاقليمية والإسرائيلية، ولميزان القوى، فجميع الأطراف المذكورة ومن دون استثناء تقريبا، لا يريدون إطلاقا مثل هذا التطور وان يعود الشعب الفلسطيني الى المشهد السياسي من جديد، وان يكون صاحب قراره بما يتعلق بقضيته وحر الإرادة باتخاذ مواقفه.

وفي أحسن الأحوال كانت القضية الفلسطينية ورقة لاستخدام بعض الأحزاب والأنظمة العربية، وكانت وسيلة لإضفاء الشرعية على الانقلابات العسكرية، وأيضا ورقة صراع وتنافس ومزايدات بين كل هؤلاء، والأغرب من ذلك كان الجميع يمكنه الحديث باسم الشعب الفلسطيني وقضيته، وحتى الشعب الفلسطيني نفسه، فعندما تبادر أية مجموعة وطنية فلسطينية للحديث باسم الفلسطينيين كانت تتهم بشتى التهم وتخون. ونذكر في السياق نفسه كيف حول بعض الحكام العرب الهيئة العربية العليا بفلسطين، التي كانت تقود الشعب الفلسطيني حتى النكبة، إلى مجرد مكتب صغير ملحق بالجامعة العربية ممنوع من أي تحرك حقيقي.

ولا بد من الإشارة هنا أنه عندما اتخذت القمة العربية التي عقدت في مطلع عام 1964 في الإسكندرية قرارا بتشكيل كيان فلسطيني، لم يكن هذا الكيان يرى النور بالشكل الذي تأسس به “منظمة التحرير الفلسطينية” لولا جهود الراحل المرحوم أحمد الشقيري الشخصية، وجهود بعض النخب الفلسطينية والعربية غير الرسمية. فقد حول الشقيري الفكرة من كيان بلا هوية حقيقية ولا صلاحيات إلى منظمة تحرير ولها جيش وبدأت تتحدث باسم الشعب الفلسطيني.

ومع ذلك لم تستطع المنظمة الإفلات كليا من الرقابة العربية الرسمية المشددة، بالإضافة إلى تحولها الى ساحة صراع وتدخل الأنظمة العربية.

انطلاقة الثورة الفلسطينية كانت بكل المعايير اختراقا للمستحيل، ولأنها كذلك بقيت عرضة للخطف وللضغط وحتى استخدم القوة العسكرية ضدها في أكثر من مرحلة، والأخطر هي محاولات مصادرة قرارها المستقل بهدف تفريغها من أي مضمون. ونذكر هنا المعركة التي استمرت سنوات من أجل أن تصبح منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة فتح كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وكيف أدخلت إليها الأنظمة أحصنة طروادة لتكون شريكا في القرار الوطني الفلسطيني، وتعمل على إضعافه ليعود قرار القضية الفلسطينية إليها من جديد وتستخدم القضية كورقة مساومة.

واليوم ولمن يتابع، فإن كل ما يدور بخصوص الشعب الفلسطيني وقضيته هو محاولات متعددة الأطراف لتصفيتها، وطمس وجود الشعب الفلسطيني من جديد والعودة به الى لحظة النكبة الاولى، ويختفي وتختفي القضية الفلسطينية معه. ولكن الشعب الفلسطيني وقيادته اليوم أكثر وعيا إدراكا لما يدور، وأعتقد أن اختراق المستحيل لا يزال ساري المفعول رغم كل الصعاب.

الاخبار العاجلة