الشخصية الاستعمارية ازدواجية معايير أم اضطراب؟!

10 مارس 2022آخر تحديث :
الشخصية الاستعمارية ازدواجية معايير أم اضطراب؟!
الشخصية الاستعمارية ازدواجية معايير أم اضطراب؟!

صوت الشباب 10-03-2022    الكاتب: موفق مطر   هل هي ازدواجية معايير أم اضطرابات في الشخصية السياسية للدولة الاستعمارية العميقة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية؟!

نعتقد أن المنظومة الاستعمارية العالمية على تنوع مناهجها وسلوكياتها واختلاف ألسنتها ومشاربها تتجسد فيما يمكننا رؤيته بشخصية واحدة مضطربة، رغم امتلاكها عناصر القوة العسكرية والاقتصادية ومظاهر النظام السياسي المتقدم كالحكم البرلماني أو الرئاسي، وإعلائها شأن الديمقراطية والحريات بالحديث المبالغ عنها ومحاولة فرض تطبيقاتها على الآخرين، شخصية مضطربة وتكيل بمكيالين رغم سيطرتها على بلاد تزخر بمنابع علمية ومعرفية وحتى ثقافية، ونلمس حضورها المؤثر في مساقات ومسارات حياة الناس في أركان الدنيا، ما يعني أننا أمام عالم مضطرب الشخصية شئنا أم أبينا بسبب هيمنة الشخصية الاستعمارية، وقدرتها على تثبيت ازدواجية المعايير كقانون بديل عن القوانين والمواثيق والأعراف المشتقة من المبادئ والقيم الإنسانية وأهمها وأولها العدل.

وقبل الخوض في تعريف ازدواجية المعايير والاضطرابات الشخصية، يمكن للقارئ الكريم إدراك ما نريد الذهاب إليه عبر هذه الأمثلة: فالنازية مثلا منظومة عنصرية بلا أدنى شك، لكنها وصلت إلى سدة الحكم عبر نظام الديمقراطية (الانتخابات) وأشعلت حربا عالمية انتهت بأكثر من أربعين مليون ضحية ودمار فتك بعواصم ومدن أوروبا واليابان، والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على رأس دول الحلفاء المنتصرين على النازية العنصرية، أنشأوا كيانا عنصريا (إسرائيل) ومنحوه فرص التمرد على الشرعية الدولية، والخروج على قوانين ومواثيق المجتمع الدولي (الأمم المتحدة) وتساهلوا وأغفلوا تنفيذ قرارات مجلس الأمن الذي أنشأوه لحفظ السلام والأمن في العالم حتى باتت قراراته مجرد نقيع أزرق! وتحدثوا كثيرا عن واحة الديمقراطية في صحراء الدكتاتورية (إسرائيل) وهم على يقين أن المرفوضين في أوروبا بسبب وظيفتهم الاجتماعية الضاربة لقيم المجتمعات الأوروبية، تم تثبيت أركانهم “ككيان صديق” لهم في دولة سميت (إسرائيل) حسب وثيقة كامبل 1907، كيان ينشأ على أرض وطن الشعب الفلسطيني التاريخي والطبيعي، ويتم تحويلها إلى دولة تبقى قابلة للتوظيف والاستخدام من الدول الاستعمارية حسب الطلب، ووفق تداول نفوذها وسيطرتها وهيمنتها في المنطقة العربية الإستراتيجية الغنية جدا بالثروات، ولمنع نمو جذورها الحضارية من جديد.

نحن الشعب الفلسطيني لا نعاني بسبب ازدواجية المعايير الدارجة على الألسن وبكثافة منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا (أوكرانيا) وحسب، بل عانينا منذ وعد بلفور في العام 1917 ونعاني حتى هذه اللحظة من انعكاسات اضطرابات شخصية منظومة الحكم في الدول الاستعمارية أيا كانت لغتها الرسمية، وموقعها الجغرافي على خريطة الكرة الأرضية، وهذا ما يجب الانتباه له، وتسليط الضوء عليه في دائرتنا الوطنية وما يليها من دوائر عربية وإقليمية ودولية، فالضحية قد يكون سببا في كشف مستور أخطر بكثير مما يعتقد البعض، يتجاوز دائرة الضحية ليصل إلى دائرة صاحب القرار الأول، الحاكم المضطرب وصاحب فقه ازدواجية المعايير، فحتى هذه الازدواجية قد روجوا لها بفقه سياسي لا يقل خطورة عن مفاهيم الجماعات الإرهابية الدينية وتأويلاتها وتفسيراتها للكتب المقدسة لتبرير جرائمها ضد الإنسانية.

لو نظرنا مثلا إلى المستوطنات الإسرائيلية (اليهودية) فهي حسب القانون الدولي جريمة حرب لأنها قائمة على أرض للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، بعد تهجير أصحابها منها، أو حتى تلك المحسوبة أملاكا عامة للشعب، فالمستوطنات تجسد تغييرا ديموغرافيا مصنف جريمة حرب في القانون الدولي، ومقاطعة منتجات هذه المستوطنات مشروعة في القانون الدولي، لكن الشخصية المضطربة والكيالة بمكيالين التي تقاطع ألحان ومقطوعات روسية ولوحات فنية تشكيلية وكل ما يتعلق بمسارات الحياة في روسيا، ما زالت تعتبر حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي (BDS) منظمة غير قانونية، وواحدة من أشكال معاداة السامية.

معاناة ومآسي أمة الإنسان ونحن الشعب الفلسطيني منها أسبابها ازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين، هذا المفهوم السياسي المعروف بهذه الصيغة منذ العام 1912، وهو تحيز ظالم لانتهاكه القاعدة الرئيس في فقه القانون الدولي بوجوب مساواة الجميع أمام القانون وانتهاكه أيضا لمبدأ العدالة، وأحد أشكال التمييز العنصري. ويضاف إليه مرض اضطراب الشخصية الذي ما زال مستشريا في شخصية منظومة الدولة الاستعمارية ومن علاماته: تجاهل أو انتهاك حقوق الآخرين، يكذب أو يخدع الآخرين بشكل متكرر، وعدم الاستقرار في العلاقات، والهستيريا عندما لا يكون محور الاهتمام، وهذا ما لمسناه في شخصية دونالد ترامب، وكذلك إحساس بتفوق الذات، ورغبة شديدة في السيطرة، والتناقض ما بين السلوك والقيم والأخلاق المعلنة.. شخصية مرتابة بجنون العظمة، ولا تهتم بنقد الآخرين. إذن على الشعوب الحرة الحضارية والمتقدمة في هذا العالم اكتشاف العقار المضاد لهذا المرض الذي سيفتك بأمة الإنسان ومقدرات العالم وتبدو أمامه أوبئة كالكورونا، والطاعون كنزلة برد لا أكثر.

الاخبار العاجلة