الضم وحل الدولتين.. وخداع نتنياهو الإستراتيجي

6 أكتوبر 2020آخر تحديث :
الضم وحل الدولتين.. وخداع نتنياهو الإستراتيجي
الضم وحل الدولتين.. وخداع نتنياهو الإستراتيجي

بقلم العميد: أحمد عيسى – القدس

لم تنفذ الحكومة الإسرائيلية خطتها لضم 33% من الضفة الغربية – النسبة التي نصت عليها خطة ترامب- في الأول من تموز/يوليو الماضي وفقاً لنص الإتفاق الإئتلافي الذي بموجبه نجح نتنياهو في تشكيل حكومته الحالية، الأمر الذي سمح للمجتمع الدولي أن يعبر عن إرتياحه بنجاح ضغوطه في المحافظة على بقاء خيار حل الدولتين قائما لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

من جهته كذلك قدم الخطاب الإماراتي الرسمي وغير الرسمي عدم شروع الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ الضم كنجاح للديبلوماسية الإماراتية التي قايضت الضم بالتحالف، الأمر الذي عززه السيد أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية عبر تصريحه يوم الإثنين الموافق 28/9/2020، “بأن المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية قد أوقفت الضم”.

وفيما لم تتضمن المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية أي نص، أو إشارة حول وقف الضم من قريب أو بعيد، بل على العكس من ذلك تضمنت نصاً صريحا واضحاً يؤيد الضم ويدعمه، بما في ذلك ضم القدس، من خلال تأكيدها في المبدأ التاسع من مقدمتها على خطة الرئيس ترامب (صفقة القرن) التي أعطت بدورها إسرائيل الحق بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، فضلاً عن إعطائها الحق بتوحيد شطري القدس الشرقي والغربي باعتبارها العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، إلا أن الخطاب الإماراتي الرسمي وغير الرسمي لا زال يمارس (عمداً وربما جهلاً أو خطأً) خداع الرأي العام الإماراتي والعربي والإسلامي والدولي، بترديد أن المعاهدة فعلاً قد منعت الضم، أو أوقفته ربما إلى حين.

وعلى ذلك يكون اصحاب القرار في دولة الإمارات، ومن يعيد إنتاج خطابهم من أصحاب صناعة الرأي العام سواء من الإماراتيين، أم من العرب والمسلمين، شركاء فعليون لرئيس الوزراء نتنياهو في خديعته الإستراتيجية حول الضم وحل الدولتين، التي يبدُ أنه نجح من خلالها حتى الآن في خداع الرأي العام الإسرائيلي، والعربي، والدولي، لغايات ذاتية تتعلق بطموحاته الشخصية، وأخرى موضوعية (وهذه هي الأهم)، تتعلق بحرف الأنظار عن نظام الأبارتايد الصامت القائم على أرض الواقع في فلسطين الإنتدابية، والأهم من ذلك أنها تهدف إلى تأجيل بدء الصراع حول الحقوق المتساوية لكل سكان الدولة الواحدة القائمة حكماً منذ 53 عام ما بين النهر والبحر.

وللتأكيد على صحة الإستنتاج الموضح في الفقرة السابقة، نشر البروفيسور اليهودي المعروف ايان لوستك (Ian S. Lustick) المحاضر في جامعة بنسلفانيا الأمريكية وصاحب المكانة المرموقة في الحقل الأكاديمي حول العالم، في شهر ايلول الماضي مقالة بحثية محكمة حملت عنوان (واقع الدولة الواحدة… المعنى الحقيقي للضم) في مجلة الرابط (The Link) العدد الرابع، المجلد 53، وكانت مؤسسة أمريكان من أجل فهم الشرق الأوسط (Americans for Middle East Understanding, Inc) قد أعادت نشرها على موقعها الإلكتروني في الشهر ذاته، إذ يؤكد لوستك في مقالته أن الدولة الواحدة ما بين النهر والبحر قائمة حكماً منذ إحتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية وقطاع غزة العام 1967.

وفي هذا الشأن يجادل لوستك أن ليس بالضرورة أن يخضع كل سكان الدولة الواحدة لنفس القواعد والقوانين، وليس بالضرورة كذلك أن تدار كل أقاليم الدولة من قبل نفس المؤسسات، إذ يكفي لإعتبارها دولة واحدة أن تحتكر العنف، وتحتكر قرار إستخدامه على كل الأرض وكل السكان، وهذه هي الحقيقة القائمة على الأرض الممتدة من نهر الأردن شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً، حيث تحتكر إسرائيل العنف وأدواته.

ويضيف ايان لوستك في مقالته أن إسرائيل لن تتخلى عن الضفة الغربية مطلقاً لأسباب أمنية ودينية، لكنها لن تعترف بدولة الأمر الواقع الواحدة الناشئة على أثر إحتلالها لما تبقى من فلسطين العام 1967، إذ سينهي الواقع الديموغرافي المشروع الصهيوني في فلسطين، إذا ما حصل الفلسطينيين على حقوق سياسية متساوية مع السكان اليهود، ولذلك تحاول إسرائيل الخروج من هذا المأزق المأزق من خلال توسيع ولاية الدولة وقوانينها وأنظمتها الإدارية على هذه المناطق دون منح سكان هذه المناطق حقوق متساوية أسوة بالمستوطنين، أي إعادة إنتاج نموذج القدس الشرقية بعد إحتلالها العام 1967، وليس من خلال الضم أو فرض السيادة الذي يؤدي إلى منح حقوق سياسية للسكان كما هو نموذج فلسطينيي العام 1948، الأمر الذي يعني أن فهم اطراف المجتمع الدولي لتلويح نتنياهو بالضم وفرض السيادة على الضفة الغربية كتهديد إستراتيجي لحل الدولتين يشير إلى نجاح نتنياهو في تنفيذ خديعته وإخفاء نواياه الحقيقية.

ولمزيد من التوضيح يضيف الكاتب أنه لفهم نوايا رئيس الوزراء نتنياهو الكامنة خلف تلويحه بالضم هناك حاجة لتفكيك خطابه الذي يتعلق بالضم، وفي هذا الشأن يجادل لوستك أنه منذ إثارته لموضوع الضم في أيلول العام 2019، قدم نتنياهو الضم من خلال ثلاثة مفاهيم إستهدف في كل واحد منها جهة مختلفة من المجتمع اليهودي والراي العام الدولي.

المفهوم الأول هو الضم (Annexation) وكانت الجهات المستهدفة من هذا المفهوم هي الجهات التي تقف على يمينه في التيار النيوصهيوني كحزب يمينا بزعامة نفتالي بينت، وكتلة الإتحاد الوطني الصهيوني بزعامة سموتريتش، أما المفهوم الثاني فهو مفهوم السيادة (Sovereignty) والجهة المستهدفة من هذا المفهوم هي المستوطنين في الضفة الغربية، والمفهوم الثالت هو توسيع ولاية الدولة وقوانينها وأنظمتها الإدارية(Extending Israeli law, jurisdiction, and administration) على مناطق الضفة الغربية، والفئات المستهدفة من هذا المفهوم هي الفلسطينيين، واليسار الإسرائيلي، وأطراف المجتمع الدولي والعربي المؤيدة لحل الدولتين، ويؤكد الكاتب أن خديعة نتنياهو ونواياه الحقيقية الخفية تكمن في هذا المفهوم، إذ فيما تعتقد الأطراف المؤيدة لحل الدولتين، أن هذا الخيار لا زال قائما تأسيساً على عدم تنفيذ الضم، إلا أن الحكومة الإسرائيلية عملياً تواصل قضم الأراضي ومواصلة الإستيطان الذي وصفها الكاتب بالضم الهادئ، الأمر الذي يعني أن خيار حل الدولتين قد مات أو بالأحرى قد ولد ميتاً، وما إستمرار التمسك به من قبل مؤيديه وفقاً لوصف لوستك إلا إستمرار في ضرب جثته الميتة!

الاخبار العاجلة