المشاركة في التصويت واجب وطني وليست مجرد حق

27 مارس 2021آخر تحديث :
المشاركة في التصويت واجب وطني وليست مجرد حق
المشاركة في التصويت واجب وطني وليست مجرد حق

جميل عبد النبي

يشك بعض الفلسطينيين حتى اللحظة في إمكانية إجراء الانتخابات، وأظن أن بعضهم يتمنى لو لم تحدث فقط ليقول: أرأيتم؟ أما قلت لكم إن الانتخابات لن تحدث؟ وإن الذين يفترض أنهم معنيون بها ليسوا معنيين على الحقيقة؟

وفي جانب آخر هناك من لا يزال يصر على عدم الذهاب إلى صندوق الانتخابات، فالكل في نظره سيئ، وهو ليس مجبرا لأن يختار بين السيئين- حسب وصفه- وأن الأسلم ألا يعطي صوته لأحدهم حتى لا يتحمل وزره، أو وزر ما سيترتب على اختياره..!

وللحق، فإنني كفلسطيني عايشت تقلبات الحالة الفلسطينية، وتجاذباتها الداخلية، وتناحر الجهات النافذة فيها أجد نفسي متفهما لدوافع هذا المنطق السلبي في التفكير، إذ فقد بعض الفلسطينيين الثقة حقيقة في مكونات الواقع الفلسطيني، بعد أن طال انتظارهم لما كان يجب ألا يتأخر كل هذا الوقت، وراقبوا كل تفاصيل النزاع الفلسطيني الداخلي، وتابعوا مبرراته المزعومة، والتي تبين لهم أنها ليست أكثر من حجج واهية قدمها الراغبون في السلطة والثروة، ليبرروا انقسامهم.

لكن تفهمي هذا لحالة الإحباط لا يعني قبولي لمخرجات هذا المنطق، فمهما كانت السنوات السابقة محبطة، فإننا الآن أمام فرصة ولو ضئيلة للتغيير، والتأثير، وهذا حقنا كمواطنين، بل واجب على كل مواطن منا، ولو- كما يقال- لدفع الضرر الأعلى بالضرر الأدنى.

لو افترضنا مثلا أن مساحة الممتنعين عن التصويت تزايدت، فإن هذا يعني بوضوح أننا نعطي فرصة لمن نسعى لدفعه خطوة إلى الخلف، لأن يتقدم خطوة إلى الأمام، لأن أصواتنا التي كان يجب أن تُحسّن من فرص مخالفيه خرجت من دائرة التأثير، فنصبح عمليا وقد صوتنا لصالحه، بينما نظن أننا نزّهنا أنفسنا عن التلوث بمفرزات الانتخابات.

هناك مسألة مهمة على المحبطين أن يأخذوها بالحسبان، فإن كانوا يظنون مثلا أننا في الانتخابات القادمة سنحصل على كل ما نريد بنسبة مئة بالمئة فهم مخطئون، لأن تعقيدات الوضع الفلسطيني أكبر من أن تُحل كلها في جولة انتخابات واحدة، لكن هذا لا يعني أن شيئا لن يتغير، على العكس، فهناك أولا ما علينا إثباته كمواطنين أننا جزء من التركيبة السياسية الفلسطينية، وأننا نستطيع أن نعاقب، وأن نكافئ، وأن نقلل أو نزيد من فرص المكونات الفلسطينية في الحضور، حينها فقط ستتسابق هذه المكونات على تحقيق مصالح المواطنين، إن اكتشفوا قدرة هؤلاء المواطنين على دعمهم، أو صفعهم انتخابياً إن احتاج الأمر.

يجب علينا كمواطنين أن ندافع عن حقنا في التأثير، وألا نتنازل عن هذا الحق، وأمامنا الآن فرصة للتأثير الجزئي، ومن الخطأ، وربما الخطر أن نحرم أنفسنا من حق مشروع لنا، ولعلي أظن أن جهات ما تسعى لإحباط الشارع الفلسطيني، ونحن نحقق لها رغبتها في التنازل عن حقنا في التصويت.

وهناك ثانيا فرصة لأن نساهم في تشكيل المنظومة السياسية بما يتناسب وأهدافنا الوطنية، والإنسانية الممكنة، فمن الواضح الآن- على سبيل المثال لا الحصر- أن قدرتنا على تحقيق منجزات عسكرية على إسرائيل شبه معدومة، وفقا لمعطيات موازين القوى في المنطقة، والعالم، وهذا بالمناسبة ليس عيبنا كفلسطينيين حتى نواصل إنكاره، فهناك دول قائمة في المنطقة منذ عشرات السنين ومع ذلك لم تستطع تغيير واقع موازين القوى، ونحن شعب أعزل، وتحت الاحتلال، ويجب ألا نحمل أنفسنا ما لا نحتمل، وفي حالة كهذه فإن أهم منجزاتنا تكمن في تقليل حجم الخسائر، وعدم منح إسرائيل أي فرصة لتهديد وجودنا، وبذل أقصى وسعنا لتثبيت الوجود الفلسطيني في الأرض، وتعزيز هذا الوجود بمقدرات ومقومات حياة طبيعية، أو على الأقل شبه طبيعية، حتى يستطيع الفلسطيني البقاء في أرضه.

الآن نحن كناخبين علينا ألا نتوانى في اختيار الجهة الأكثر قدرة على العمل على توفير مقومات البقاء، وفي نفس الوقت الجهة التي تستطيع مراكمة انتصارات قانونية، ودولية لصالح الشعب الفلسطيني، وليس تلك التي تشبع رغباتنا الثورية بالشعارات، وتمنح الاحتلال يوميا مبررات التضييق والعدوان على شعبنا.

باختصار: المشاركة في الانتخابات ليست مجرد حق يمكنك التنازل عنه، إنما واجب لا تستطيع تبرير إهماله، وإن اعتلت جهة ما ظهر الشعب الفلسطيني بسبب امتناعك عن التصويت فأنت تتحمل جزءا من المسؤولية الوطنية.

الاخبار العاجلة