النكبة بين روايتين.. التغييب والاعتراف

7 مايو 2023آخر تحديث :
النكبة بين روايتين.. التغييب والاعتراف
النكبة بين روايتين.. التغييب والاعتراف
النكبة بين روايتين.. التغييب والاعتراف

الكاتب: باسم برهوم – قرار هيئة الأمم المتحدة بإحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني في حرب العام 1948

في قاعتها الرئيسية هذا العام، هو بمثابة خطوة مهمة لإنصاف الضحية، ويعني القرار فيما يعني بداية لوضع

حد لهيمنة الرواية الصهيونية التي كانت تحاول إقناع الراي العام العالمي أن الفلسطينيين هم من يتحملون مسؤولية نكبتهم،

برفضهم قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة في خريف العام 1947. كما حاولت إسرائيل تعميم روايتها الرسمية

وإفهام العالم أن ما جرى عام 1948 هو “حرب استقلال نظيفة”، وإن الفلسطينيين غادروا

بلادهم بطلب من قياداتهم ومن الزعماء العرب آنذاك، عبر نداءات بثتها الإذاعات العربية.

الموقف الإسرائيلي من النكبة ينسجم مع مجمل الرواية الصهيونية، التي تحتكر حق تقرير المصير على أرض فلسطين

وتحصره باليهود وحدهم، وتنفي أي حق للشعب الفلسطيني بها، فهي، وكما يدعون “أرض إسرائيل” القديمة،

وكأن شيئا قبل ذلك التاريخ وبعده لا وجود له. وهدف الرواية الصهيونية هو إسكات التاريخ الفلسطيني القديم

والحديث والمعاصر، وجزء من هذا الإسكات هو التنكر للنكبة وتغييبها وعدم الاعتراف بحصولها،

من هنا تأتي أهمية قرار الأمم المتحدة بإحياء النكبة، ما يشير إلى أن منحنى التغييب

بدأ يتوقف وأن لا مجال لإسرائيل مواصلة دفن رأسها بالرمال.

متى بدأت الرواية الإسرائيلية الرسمية بالتفكك؟

الرواية الإسرائيلية الرسمية على أية حال بدأت بالتفكك بعد منتصف الثمانينيات،

مع رفع الحظر عن بعض الوثائق الإسرائيلية التي كشفت جزءا يسيرا من أسرار الفاجعة الفلسطينية،

الأمر الذي أدى إلى ظهور المؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين بإعادة قراءة أحداث حرب العام 1948،

التي تقول إسرائيل إنها “حرب الاستقلال”.

ومن أبرز هؤلاء المؤرخين إيلان بابيه، وشلومو ساند، وبني موريس وآفي شلايم وغيرهم،

كل هؤلاء المؤرخين أشاروا إلى أن ما جرى في تلك الحرب للفلسطينيين هو عملية تطهير عرقي متعمدة

ومخطط لها بطريقة او أخرى، وأن الشعب الفلسطيني لم يختر الرحيل عن أرضه وإنما أجبر بالقوة

وعبر سلسلة من المجازر، ودعاية معدة سلفا هدفها إدخال الرعب في نفوس الفلسطينيين ودفعهم إلى الرحيل.

لقد ارتكبت العصابات الصهيونية عشرات المذابح خلال تلك الحرب قي الفترة من شهر كانون الأول/ ديسمبر 1947،

وحتى صيف العام 1949 عند توقيع الدول العربية اتفاقيات الهدنة مع إسرائيل، من أبرز هذه المذابح

وأهمها مذبحة قرية الشيخ، ومذبحة دير ياسين ومذبحة الطنطورة ومذبحة قرية أبو شوشة،

وأخطر ما قامت به العصابات الصهيونية (الهاغناه، الارغون وشتيرن) هو تدمير وحرق القرى والبلدات الفلسطينية

بهدف منع عودة سكانها إليها، وقرار تدمير القرى، جاء من أعلى مستوى قيادي، من بن غوريون شخصيا،

بعد أن بدأ المجتمع الدولي في حينه، والأمم المتحدة ووسيطها الكونت برنادوت

بالحديث عن ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم.

أبرز ما كشف عنه المؤرخون الإسرائيليون؟

وأبرز ما كشف عنه المؤرخون الإسرائيليون الجدد، هو أن عملية التطهير العرقي كانت خطة موضوعة سلفا (خطة دالت)

من القيادتين السياسية والعسكرية، وأن الأوامر سلمت إلى قادة الألوية والكتائب للقيام بعملية “التنظيف”،

والتي أدت إلى تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني، كما أدت النكبة عمليا إلى تدمير المجتمع الفلسطيني

تدميرا تاما، إلى جانب شطب فلسطين عن خريطة العالم، وطمس معها تاريخ الشعب الفلسطيني.

رفض إسرائيل الرسمي الاعتراف بحصول النكبة من أساسها، يدخل في صلب الفكرة الصهيونية،

فالاعتراف لا يعني فقط أحقية محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ولكن أيضا حق الشعب الفلسطيني

بتقرير مصيره على أرضه. ويبدو أن تل أبيب مصرة على موقفها المتنكر للشعب الفلسطيني، من خلال إقرارها لقانون يهودية الدولة عام 2018، الذي يحصر حق المواطنة وحق تقرير المصير باليهود، وإن الفلسطينيين بمن فيهم أولئك الذين يعيشون داخل إسرائيل هم مجرد سكان وجدوا بالصدفة على هذه الأرض، كما أقرت إسرائيل في السنوات الأخيرة قانونا يمنع أي مؤسسة أو فرد من إحياء ذكرى النكبة داخل إسرائيل.

لقد استغرق الأمر 75 عاما حتى استفاقت هيئة الأمم المتحدة، والتي تتحمل جزءا مهما من المسؤولية عن النكبة عندما اتخذت قرار التقسيم غير المنصف في 29 تشرين الأول/ نوفمبر عام 1947، وعلى أية حال أن يأتي القرار متأخرا أفضل من ألّا يأتي. ولعل المهم هنا أن يجند الفلسطينيون أنفسهم ويجندوا أشقاءهم العرب وكل أحرار العالم كي يتم التعبير عن هول النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، والتأكيد أن جوهر المشكلة ليس في رفض الفلسطينيين قرار التقسيم في حينه لما فيه من ظلم لهم، وإنما في الفكرة والأيديولوجيا الصهيونية التي تنفي وجود الشعب الفلسطيني من أساسه، وتواصل تنكرها لحقوقه وأي رابط بينه وبين أرض وطنه التاريخي.

والأكثر غرابة أن إسرائيل قد واصلت هذا التنكر، بما فيه تغييب الرواية الفلسطينية للنكبة، حتى بعد أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق سلام مع إسرائيل العام 1993 وقبولها بحل الدولتين. الموقف الإسرائيلي الراهن من حقوق الشعب الفلسطيني يؤكد مسؤوليتها القاطعة عن النكبة وكل ما جرى فيها من مآس وظلم.

الاخبار العاجلة