الهولوكوست جريمة ضد الإنسانية لم يرتكبها الفلسطينيون

22 أغسطس 2022آخر تحديث :
الهولوكوست جريمة ضد الإنسانية لم يرتكبها الفلسطينيون
الهولوكوست جريمة ضد الإنسانية لم يرتكبها الفلسطينيون
الهولوكوست جريمة ضد الإنسانية لم يرتكبها الفلسطينيون

الكاتب: باسم برهوم   لماذا نسمح لهم أن نكون نحن في حالة دفاع عن النفس وهم -أي أوروبا- من صدر للعالم الفاشية والعنصرية، وهي من حرقت وذبحت واستعمرت الشعوب؟ وبما يتعلق بالمحرقة النازية لليهود “الهولوكوست” هناك حاجة للتمييز بين ثلاث مسائل: الأولى أن المحرقة جريمة هي الأبشع في تاريخ البشرية، جريمة ضد الإنسانية، وأنها نتاج الفكر الفاشي العنصري والجنون الذي اجتاح أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية وخلالها. والمسألة الثانية، هي في كيفية استغلال الصهيونية لهذه الجريمة في السيطرة على فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني، أما المسألة الثالثة، فهي أن الشعب الفلسطيني لم يكن له يد لا من قريب أو بعيد بهذه الكارثة، وأنه ظلما دفع ثمنها، عندما تم حل المسألة اليهودية في القارة العجوز على حسابه وحساب وطنه التاريخي. من هنا فإنه لا أحد في الشعب الفلسطيني له أي مصلحة بإنكار المحرقة بل على العكس له مصلحة بالسردية التاريخية الحقيقية ليكون معروفا للجميع أن المحرقة هي مأساة صنعتها أوروبا، أن يدرك العالم أن الشعب الفلسطيني كان ضحية لكل هذه التراجيديا الأوروبية.

ما جرى في ألمانيا الأسبوع الماضي مع الرئيس محمود عباس، هو محاولة صهيونية دنيئة هدفها تدفيع الشعب الفلسطيني ثمن تاريخ ليس تاريخه مرة تلو أخرى، وكان هناك إصرار على عدم سماع وتجاهل توضيحات الرئاسة الفلسطينية، التي كانت أكثر من كافية لتوضيح الالتباس الذي حصل، وكأن ما جرى كله هو محاولة للاصطياد مخطط لها مسبقا بهدف إضعاف الموقف العادل للشعب الفلسطيني…لماذا كل هذا الظلم لشعب يخضع للاحتلال منذ أكثر من 55 عاما، وأصيب بنكبة منذ أكثر من 74 عاما، تم خلالها إلغاء وجوده كشعب، شرد ودمرت وأحرقت قراه ومدنه، وتحول إلى شعب لاجئ بلا وطن؟

لماذا لا تخجل أوروبا من نفسها، وهي التي وزعت على العالم الاستعمار والعنصرية والفاشية، وهي من اضطهد اليهود وارتكبت بحقهم سلسلة طويلة المجازر والمحارق؟ من هم الذين خلقوا “اللاسامية” هذا النمط من الكراهية والحقد غير المبرر؟

دعونا نذكر أوروبا ببعض ما اقترفته من مذابح بحق اليهود، التي كانت سببا لما أطلق عليه “المسألة اليهودية” التي صدرتها أوروبا إلى منطقتنا وجاء حلها على حساب الشعب الفلسطيني. المذابح التي ارتكبها قيصر روسيا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وتسببت بأولى الهجرات اليهودية إلى فلسطين. وقبل أن تظهر الصهيونية وتظهر مطامعها في فلسطين، استقبل الشعب الفلسطيني بالترحاب اليهود المهاجرين من مذابح واضطهاد الأوروبيين، وفي حالات كثيرة أسكنوهم في بيوتهم باعتراف المؤرخين الإسرائيليين.

ما جرى في ألمانيا الأسبوع الماضي هو نفاق تفوح منه رائحة كريهة عندما يتم استسهال النيل من الطرف الضعيف المظلوم في كل المعادلة الكريهة التي فرضتها أوروبا الاستعمارية عبر قرون. ألم يكن الشعب الفلسطيني ضحية كل ذلك، ضحية وعد بلفور البريطاني الاستعماري الذي قاد في النهاية إلى هذا الصراع الدموي المستمر منذ أكثر من مئة عام، ألم تمزق اتفاقية سايكس- بيكو الاستعمارية الأمة العربية التي لا نزال نغوص في مستنقع الحروب بسببها.

الشعب الفلسطيني هو صاحب المصلحة في أن تظهر الهولوكوست كم هي بشعة، وأن يتم الاعتراف بمدى الظلم الذي وقع على اليهود، على أيدي الفاشية الأوروبية، وبالمقابل أن يتم الاعتراف بأن هناك ظلما وقع ولا يزال يقع على الشعب الفلسطيني بسبب حماقات الأوروبيين وعنصريتهم ولاساميتهم.

على أوروبا أن تخجل من تاريخها القريب، وأن تبادر إلى الاعتذار لكل الشعوب التي تسببت لها بالعذاب والاضطهاد وسلب الموارد والثروات وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الذي طال عذابه. ما أراد الرئيس محمود عباس، والقهر والظلم يملآن صدره، أن يقول إن الشعب الفلسطيني، يعاني من ظلم مزمن وإنه يدفع ثمن تاريخ ليس تاريخه، ولم يكن في وارد تفكير الرئيس المقارنة مع أبشع جرائم التاريخ الإنساني “الهولوكوست”، وعندما شعر أن هناك التباسا قد حصل سارع إلى التوضيح، فلماذا كل هذا الإصرار على الوقوف عند الالتباس ورفض التوضيح، وما الهدف لتبرير حملة شعواء على ضحية الضحية؟ الجواب سيجده القارئ في تاريخ أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، في هذا التاريخ صحيح أن أوروبا قد قدمت الكثير من الأشياء العظيمة للحضارة الإنسانية، لكنها وفي إطار رسم خارطة الدول القومية الأوروبية، كنا أمام تاريخ يفيض بالعنصرية والكراهية والفاشية والتنافس الاستعماري المقيت، وتاريخ ثقيل من اضطهاد الشعوب في آسيا وأفريقيا، المنطقة العربية وفلسطين من ضمنها، وقادت أوروبا العالم إلى حربين عالميتين راح ضحيتهما أكثر من 100 مليون إنسان.

لم يكن أحد يرغب بنبش هذا التاريخ البشع، ولكن أن يجعلوا من الالتباس محطة أخرى للظلم فهذا أمر مرفوض، خصوصا أن أوروبا ليست مؤهلة لتعليم البشرية معنى الإنسانية والتسامح والعيش المشترك، لقد عاش العرب مسلمين ومسيحيين ويهودا قرونا جنبا إلى جنب، وفي فلسطين قبل الصهيونية كانت فلسطين، الذي عاش فيها هذا الخليط الديني بسلام على امتداد القرون تقدم للعالم ما هو معنى التسامح في وقت كانت أوروبا فيه تغرق بالكراهية والحقد والعنصري.

لماذ كل هذا الظلم للشعب الفلسطيني؟

الاخبار العاجلة