حال المثقف الفلسطيني

18 نوفمبر 2021آخر تحديث :
حال المثقف الفلسطيني
حال المثقف الفلسطيني

صوت الشباب 18-11-2021  الكاتب: فتحي البس    احتاج الحاكم عبر التاريخ وما يزال يحتاج إلى المثقف في كل أحواله. المثقف لا يوصل أحدا إلى السلطة، ربما يسهم بتشريحه للأحوال في تعبيد الطريق لتغيير ما إذا التقط الناس رؤيته وروَّجوا لها، والتف حولها الحاكم وأنصاره واتخذوا منها خطة عمل، فالعلاقة بين المثقف والسلطة- أية سلطة- علاقة ملتبسة، فيها شدُّ ورخي، تكاملٌ وصراع أو اختلاف.

والأصل أن ينجم عن هذه العلاقة حالة إيجابية، لكنها قد تكون كارثية، إذا كان مثقفو السلطة أكثر براعة بالتطبيل والتزمير وتزيين الأمور وتبرير قرارات الحاكم وتوجهاته، من مثقفي الوطن، الذين يحلو لمثقفينا تعريفهم بالمثقفين العضويين، استنادا إلى تعريف الفيلسوف الإيطالي المعروف غرامشي، الذي عرّف المثقف العضوي بأنه ذلك المشتبك بأحوال مواطنيه، الناقد الصادق غير الخاضع والمستقل بأفكاره التي تدعو للتغيير الإيجابي.

الحاكم سياسي يصل إلى السلطة نتيجة صراع، قد يكون بأدوات ناعمة كالانتخابات وما فيها من مصداقية أحيانا، وتزوير وتلفيق في أحايين أُخر، أو بأدوات صلبة كالسلاح والاعتقالات والقهر الاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك، ما ان ترسخ أقدامه في الحكم، حتى يبدأ بالبحث عن مثقفين يحتاج دورهم في تجميل سنوات حكمه، حتى وإن كان بينهم معارضون ناقدون، طالما لا يهددون حكمه على الأقل في المدى المنظور. الثابت دائما أن التغيير في المجتمع وبالتالي في السلطة يأتي بتغيير وسائل الإنتاج وادواته التي تنشأ عنها أنماط حياة وكتل اجتماعية متصارعة، فيكون للمثقفين دورهم في النقد او التبرير والشرح.

في العالم المعاصر تتغير أدوات الإنتاج بسرعة غير عادية، فحقبة الزراعة استغرقت بأدواتها وأنماط الحياة وأشكالها قرونا طويلة، كذلك الأمر في حقبة الثورة الصناعية الأولى والثانية، اما في حقبة ثورة المعلومات وصناعتها، فالأمر لم يحتج أكثر من عدة عقود، وهو في تغير مستمر، ويبذل المثقفون جهوداً خارقة لمحاولة اللحاق في تفسير ما يجري وتقديم رؤى للحاكم أو الجمهور، يلهثون ليجدوا لهم مكانة، مع أن الثقافة والمعرفة هي ما تمكن الانسان من التكيف مع مجريات العصر.

أعلاه ينطبق على كل المجتمعات، ولكن لدى الشعوب التي خضعت أو تخضع للاحتلال، الأمر مختلف. وفلسطين نموذجا.

الشعب الفلسطيني في الشتات يخضع للتحولات في الدول التي يعيش فيها، وفي الوطن، في المساحة بين النهر والبحر، خلف الخط الأخضر وفي غزة والضفة، أحوال مختلفة ليس له فيها اليد العليا في تطوير أدوات الإنتاج ووسائل العيش وانماط الحياة، وإنما التقاط لما يستطيع الحصول عليه بمعاناة غير عادية من وسائل لتأمين حياته، يتحكم فيها بشكل أساسي، الاحتلال، بوحشيته وبتعامله العنصري الفاشي الاحتلالي، فيجاهد الفلسطيني ضد قسوة الحياة وضد الاحتلال في آن واحد، وبصراحة لا يهمه من في السلطة، فهو يريد أن يطرد الاحتلال، وأن تكون السلطة رشيدة تتفهم معاناته وتسنده في مقاومة الاحتلال وتأمين لقمة العيش، وهي أيضا مهمة صعبة للغاية على السلطة، فهي تحت الاحتلال.

وهنا تتعقد مهمة المثقف “العضوي” الفلسطيني، فهو أسير لهذا الواقع، إن انتقد السلطة بقسوة، يسهم في إضعافها أمام الاحتلال، وإن تغاضى عن سلوكها ومظاهر الفساد فيها، فهو يخون وظيفته المنذور لها، لذلك منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، لم يكن للمثقف دور وازن، في تعبيد الطريق لتغيير الحكومات المتعاقبة، وظل ينقد الحال دون القدرة على طرح تصورات واضحة للمستقبل، فاختلط دوره الثقافي بدوره السياسي، ولم ينجح في الاثنين، حتى الآن على الأقل، لكنه يجب أن يظل يعاند الحال وينتقد بوعي للمحيط لعله يسهم في تغيير مهما كان ضعيفا الآن، وإن برّر يجب أن لا يسقط في مستنقع التسطيح والتصفيق.

الاخبار العاجلة