خاص – تطورات الازمة الروسية الغربية “أمريكا تنفخ تحت الرماد في اقليم الدونباس”

3 فبراير 2022آخر تحديث :
خاص – تطورات الازمة الروسية الغربية “أمريكا تنفخ تحت الرماد في اقليم الدونباس”
خاص – تطورات الازمة الروسية الغربية “أمريكا تنفخ تحت الرماد في اقليم الدونباس”

صوت الشباب 3-02-2022 دكتور عوض سليمية يستمر صانع القرار الامريكي في واشنطن بانتهاج نفس السياسات القائمة على الهيمنة، وخلق مزيد من بؤر التوتر في العالم، وهذه المرة بالشراكة مع حلف الناتو فيما يتعلق بالازمة الروسية الاوكرانية، حيث تنفخ الادارة الامريكية تحت رماد الازمة لاشعال حرب في اقليم الدونباس تفتح ابواب جديدة امام شركات السلاح الامريكية، لتبلغ فاتورة الدين الاوكراني حتى اللحظة قرابة 600 مليون دولار امريكي كانت تحت بند ارسال معدات عسكرية امريكية عاجلة.

من ناحيته تنبه الرئيس الاوكراني فلاديمير سيلينزكي الى حجم الخطر الناجم عن تصعيد امريكا المتعمد لمحطات الازمة، فقد وجه طلباً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقائه بالصيغة التي يراها الاخير مناسبة لحل الازمة بين البلدين. مطالبا في الوقت نفسه نظرائه الاوروبيون بالتوقف عن نشر الذعر في بلاده.

خلفية الازمة

تصاعدت حدة التوتر بين روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة عقب نشر روسيا لقرابة 100 الف جندي “وفقاً لاعلام الغرب” على اراضيها بالقرب من الحدود الأوكرانية، تقول موسكو انها لاغراض اجراء مناورات عسكرية وليس تهديداً لأحد، بالمقابل بدأ حلف الناتو بتعزيز مواقعه في اوروبا الشرقية وإمداد الجيش الاوكراني بانواع من الاسلحة الدفاعية الفتاكة، الى جانب ازدياد ملحوظ للطلعات الجوية لطائرات بدون طيار التجسسية بالقرب من الحدود الروسية مع اوكرانيا، مع مزيد من الانشطة العسكرية البرية والبحرية الموجهة لارهاب موسكو بشكل مباشر.

في رسالة الضمانات التي قدمتها موسكو للجانب الامريكي نهاية العام الماضي، طالبت روسيا أن يتخلى الحلف عن سياسة التوسع شرقاً نحو التراب الروسي، بما في ذلك ضم أوكرانيا (إلى الحلف). وتدعو موسكو الحلف إلى التخلي عن أي نشاط عسكري خارج حدوده – بما فيها أوكرانيا ومناطق أخرى في أوروبا الشرقية ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى- كما طلبت من الحلف عدم نشر أسلحة هجومية بما يشمل اسلحة نووية ووحدات عسكرية جديدة خارج البلدان التي كانت تتمركز فيها قبل مايو 1997 (قبل انضمام دول أوروبا الشرقية إلى الناتو). (شاهد الخارطة الملحقة)، وأن ما دون ذلك يعد بمثابة تهديد لامن روسيا القومي وهو خط احمر لن تسمح به موسكو وفق ما ورد على لسان الرئيس فلاديمير بوتين.

وفي ظل الوضع المتوتر على الحدود مع اوكرانيا، وعلى وقع التهديدات المتبادلة، عقد الرئيس الامريكي جو بايدن محادثات مغلقة مع الرئيس الروسى فيلاديمير بوتين فى محاولة لايجاد ارضية مشتركة ينطلق منها الطرفان نحو حلول دبلوماسية بناءة بدلاً من الحلول العسكرية المدمرة للطرفين. انتج الاتصال ثلاثة لقاءات جمعت وفودا من روسيا وامريكا في جنيف يومي 10و12 يناير، ولقاء اخر جمع الطرفين الروسي واعضاء منظمة الامن والتعاون الاوروبي، وثالث جمع الروس بممثلي حلف الناتو في بروكسل، وكانت جميع اللقاءا تتمحور حول ايجاد صيغة تفاهمات حول ورقة الضمانات الامنية التي قدمتها روسيا اواخر العام الماضي.

وكما كان متوقع تلقت موسكو ردا امريكيا على ورقة الضمانات الامنية، ووفقا لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فان الولايات المتحدة قبلت بتنفيذ جزء من المطالب التي قدمتها موسكو وتحفظت على نقاط اخرى، على امل مناقشتها ضمن اللقاءا اللاحقة التي ستجري بين وزيري خارجية البلدين. واضاف الوزير بأن الرد يمثل “استجابة تسمح بالرهان على بدء محادثة جادة”. ومن المتوقع ان يجري اليوم 1 فبراير وزير الخارجية الامريكي بلينكن اتصالا هاتفيا بنظيره الروسي لافروف للتباحث في النقاط العالقة.

في السياق، كان الرد الغربي متزامن مع الرد الامريكي على ورقة الضمانات الروسية، بل واكثر تحديدا بإيجاد طريق لحل الازمة من خلال إقتراح أمين عام الحلف ينس ستوتنلبرغ بان يتم احياء العلاقة الايجابية بين روسيا والغرب، وكخطوة اولى لاستعادة الثقة باعادة الاتصال بين الطرفين من خلال مجلس روسيا- الناتو وإعادة افتتاح مكاتب كل من روسيا والتحالف في بروكسل وموسكو، على التوالي.

بينما تتكشف نوايا الادارة الامريكية في إعادة إحياء مظاهر الحرب الباردة، على حساب امن واستقرار اوروبا باكملها، دون الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، في محاولة منها لصناعة عدو تقليدي، بهدف توحيد المجتمع الامريكي المنقسم على أداء إدارة الرئيس بايدن، أظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة ترافالغار ونشر بتاريخ 24 يناير[1]، ان ما يزيد عن 84% من المستطلعة ارائهم يرون أن مشاركة واشنطن في أوكرانيا يجب أن تكون محدودة.

وفي هذا السياق الرافض للانخراط في الحرب، يقول Doug Bandow من معهد CATO، أن على واشنطن أن تتخلى عن لهجتها في إدعاء تبني التفوق الاخلاق المتعجرف والقيم الكاذبة، وسياسة الكيل بمكيالين، فهي التي غزت العراق والحقت ضررا كبيراً وشردت ملايين البشر وليس بوتين، وان الادمان على فرض العقوبات لم يعد يجدي نفعاً.  

 مواقف حلف الناتو تزداد تناقضاً

وفقا لوكالة سبوتنيك الروسية، فقد أظهر استطلاع للرأي نظمته شركة YouGov البريطانية أن سكان معظم الدول الأوروبية الكبرى يعارضون إرسال قوات بلدانهم إلى أوكرانيا. وحسب نتائج الاستطلاع، فإن أكبر نسبة معارضة لإرسال القوات “لحماية أوكرانيا” تم تسجيلها في ألمانيا، حيث يعارض ذلك 52% ممن تم استطلاع آرائهم،  وفي إيطاليا عارض إرسال القوات 40% ، وفي السويد 39% من المعارضين، وإسبانيا 37%،  وفي فرنسا 36%، وسجلت في بريطانيا نسبة 32%.

في السياق الرسمي، فقد اعلن وزير الدفاع الامريكي لويد اوستن بتاريخ 28 يناير ان الولايات المتحدة لن تشارك باي عمل عسكري على اراضي اوكرانيا بناءً على تعليمات الرئيس بايدن في حال اقدم الرئيس بوتين على ضمها، وفي اعقاب هذا التصريح بدأت المواقف المتشددة لاعضاء حلف الناتو تتراجع. الامر الذي دفع بالرئيس الاوكراني فلاديمير سيلينزكي الى توجيه انتقادات عنيفة لقادة الحلف وخاصة الادارة الامريكية بسبب تراجع مواقفهم عن دعم بلاده، وقال، “يعتبر تصعيد الإعلامي حول التهديد الروسي قرب حدود أوكرانيا ضربا من المغالطة”، واضاف الرئيس “أنه لا يلمس أي نيّة لروسيا لغزو بلاده، وأعرب عن استعداده للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “بأي صيغة”. ووجه كلامه لنظرائه في الحلف “كفوا عن اشاعة الذعر… تصريحاتكم غير المدروسة تدمر اقتصادنا”، وفي تصريح منسجم مع موقف رئيسه لتهدئة المخاوف أعلن وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف، إن بلاده لا تحتاج في الوقت الراهن، إلى اعلان التعبئة العامة لأنه لا توجد تهديدات حقيقة لبلاده”.

هذه المواقف المتناقضة لادارة الرئيس سيلينزكي والتي لا تنسجم في إطار سياسة الولايات المتحدة الهادفة الى استمرار تأجيج الصراع، دفعت قادة البنتاجون الى وصفه بانه “اصبح مزعجا ومثيرا للغضب وغير بناء على الإطلاق”. وذكرت وكالات الانباء الامريكية ان صبر الادارة الامريكية قد بدأ ينفذ من سياساته غير الثابته.

وفي إطار تراجع المواقف الداعمة لاوكرانيا، اعلنت المانيا موقفها بوضوح معارضتها فرض عقوبات على روسيا تشمل وارداتها من النفط والغاز وطالبت واشنطن بابقاء السيل الشمالي 2 خارج خيار العقوبات الغربية المقترحة بالنظر الى اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية بنسبة تصل الى 64% من احتياجاتها اليومية، وطالبت بضرورة اتباع النهج الدبلوماسي للخروج من الازمة، وواصلت موقفها القاضي بعدم توريد أي نوع من السلاح الالماني الى اوكراني ومنعت عدد من الدول الاوروبية بما فيها دول البلطيق التي تملك هذا السلاح من توريده لاوكرانيا، واعلنت وزيرة الخارجية الالمانية انالينا بيربوك ان انضمام اوكرانيا لحلف الناتو غير مدرج على جدول اعمال الحلف في الوقت المنظور. في الوقت نفسه، تراجعت حدة اللهجة العدوانية الصادرة عن اقرب حليق لواشنطن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وقام بتكليف وزيري خارجيته ودفاعه بزيارة موسكو والتباحث الجاد في تحسين العلاقة مع موسكو وايجاد السبل لنزع فتيل الازمة، بالاضافة الى تعليماته لوزرائه بالترتيب للقاء قريب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بينما واصلت فرنسا مسارها التقليدي المعتمد منذ ان تفجرت الازمة والداعي الى التركيز على الحل الدبلوماسي، وقد اجرى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكارون اتصالا هاتفيا بالرئيس الروسي بوتين يوم 28 يناير ركزت على مسألة تقديم ضمانات أمنية طويلة الأمد لروسيا، بما في ذلك على ضوء المحادثات الروسية الأمريكية الأخيرة في جنيف واجتماع مجلس روسيا الناتو في بروكسل. ووعد الرئيس بوتين نظيره الفرنسي بدراسة الردود الامريكية المكتوبة التي وردت في 26 يناير من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بعناية وبعد ذلك سيقرر في اتخاذ إجراءات لاحقة.

في الاطار، أعلنت هنجاريا انها ترفض نشر قوات تابعة لحلف الناتو على أراضيها والقت باللائمة على تصرفات الرئيس الاوكراني، وجاء موقف بولندا منسجماً ايضاً، فقد رفضت طلباً من اوكرانيا بنشر قواتها على الارض الاوكرانية، في السياق، اعلن الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش انه في حال اندلاع نزاع بين اوكرانيا وروسيا فانه يعتزم سحب قواته من قوات الناتو، مؤكداً أن أوكرانيا من أكثر الدول فسادا في العالم ولا يجوز انضمامها إلى الناتو. وليس بعيدا عن مواقف دول الحلف جاء موقف تركيا بتوجيه دعوة لجميع الاطراف الى لقاء تباحثي في اسطنبول للخروج من الازمة. كما وأعلنت وزيرة الدفاع الكندية أنيتا أناند أن القوات الكندية في أوكرانيا قد تم نقلها إلى غرب نهر دنيبر الذي يقسم اوكرانيا الى شطرين “حفاظا على سلامتها”.

وفي سياق التغيير السريع في خارطة الموقف، لخص امين عام حلف الناتو ستولتنبرغ مواقف الدول الاعضاء في تصريحه الذي قال فيه “: “ليست لدينا أي خطط لنشر قوات حلف شمال الأطلسي القتالية في أوكرانيا… نحن نركز فقط على تقديم الدعم”.

يقر الدكتور بيبينو دي بياسو، الذي شغل منصب مدير مكتب سياسة الدفاع الصاروخي بوزارة الدفاع الأمريكية، من العام 2000 إلى 2021. بأن أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية قد تطورت إلى حد كبير بسبب التهديد الأمريكي المتزايد لموسكو، ويضيف، “تحتفظ روسيا بقدرات دفاعية استراتيجية تساهم في الردع والسيطرة والحد من الأضرار والحماية، وهي أمور أساسية لاستراتيجيتها العسكرية، وفي الوقت نفسه تعمل على الحد من القدرات الأمريكية المماثلة”[2].

حتى اللحظة نجحت سياسة الضغط الاقصى وصلابة الموقف الروسي في منع حلف الناتو والولايات المتحدة من اجتياز الخطوط الحمراء التي رسمها بوتين امامهم، وفتحت افاق جديدة لالتزامات جدية ودائمة بالطلبات الامنية التي قدمتها موسكو، مع تثبيت دائم لانفصال منطقة الدونباس واحتفاظ روسي بكامل جزيرة القرم، ومع تطور المواقف الخلافية بين الاعضاء وتصريحات الرئيس الاوكراني التي اثارت غضب الولايات المتحدة، فان الادارة الامريكية على ما يبدو سوف تقبل بالوضع القائم وتقدم ضمانات مكتوبة للجانب الروسي تتعهد بموجبها بعدم انضمام اوكرانيا وجورجيا الى حلف الناتو، لتتفرغ من جديد لاشعال جبهة تايوان امام جمهورية الصين والمصنفة بالمنافس الاقوى والاخطر ضمن الوثيقة الاسترشادية للامن القومي الامريكي لعام 2021-2022.

الاخبار العاجلة