خاص : عملية عاصفة الصحراء الروسية: هل هي خطة بوتين لاستخدام قواعد اللعبة العسكرية الأمريكية ضد أوكرانيا؟

13 فبراير 2022آخر تحديث :
خاص : عملية عاصفة الصحراء الروسية: هل هي خطة بوتين لاستخدام قواعد اللعبة العسكرية الأمريكية ضد أوكرانيا؟
خاص : عملية عاصفة الصحراء الروسية: هل هي خطة بوتين لاستخدام قواعد اللعبة العسكرية الأمريكية ضد أوكرانيا؟

صوت الشباب 13-02-2022 د.عوض سـليميـة  يرى المحللون العسكريون إلى أن الحشود الروسية الحالية على طول الحدود مع أوكرانيا يختلف عما سبقها، فهو أكثر جدية وشمولية إلى حد كبير، وتستخدم موسكو كافة أدوات الضغط والإكراه التي تمتلكها في ترسانتها على كييف، بينما استفادت موسكو من دروس عملية “عاصفة الصحراء” في تطوير نموذج الاستطلاع وإطلاق الضربات الدقيقة الحالية الذي تعتمدها. وعكست المشتريات العسكرية الروسية وبرنامج التدريبات الوطني الواسع النطاق والمزدهر في روسيا على مر السنين تحولاً نحو تركيز الاهتمام بشكلٍ أكبر على ما سُمّيَ بحرب الفضاء الجوي، التي شددت على تطوير ما يُدعى نُظُم “القيادة والسيطرة والحواسيب والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع” بهدف دمجها في أنظمة توجيه ضربات نارية كثيفة ودقيقة بعيدة المدى، وهو المتوقع أن تطبقه روسيا في حال اجتياح اوكرانيا.

كتبت Anna Borshchevskaya على موقع Fortyfive19 بتاريخ 23 يناير 2022

ربما كانت عملية “عاصفة الصحراء” إحدى أكثر العمليات العسكرية حسماً وتأثيراً في القرن العشرين. وكانت أهداف هذه العملية التي نُفّذت خلال “حرب الخليج” عام 1991 بالغة الأثر، وتخللتها حملة جوية شنتها دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة لمدة 42 يوماً، ودعمتها قدرات فضائية وسيبرانية، ثم تلتها عملية برية ساحقة. وكانت الفكرة الرئيسية شن غارات جوية وصاروخية وفضائية وسيبرانية دقيقة لتقويض القيادة والسيطرة الوطنية للجيش العراقي وتدميرها، وبالتالي تمكين العمليات البرية من حسم المعركة.

تقول Borshchevskaya لم تكن أي قوة أخرى حتى ذلك الوقت قد نفّذت عملية مشابهة، فقد غيّرت هذه العملية سير الأمور وحققت نجاحاً باهراً. ودمّرت عملية “عاصفة الصحراء” بشكل فعال الجيش العراقي المتمرس في الحرب، من خلال القضاء على قدرته على قيادة قواته الميدانية والسيطرة عليها والحفاظ على معرفته بأحوال ساحة المعركة. وتعرضت آلة الحرب العراقية لغارات سيبرانية وجوية وصاروخية أطاحت بالقيادة وأدت إلى تدمير الجيش في صحاري الكويت والعراق.

وتضيف، منذ ذلك الوقت، سيطرت الفكرة الرئيسية التي استندت إليها عملية “عاصفة الصحراء” على الحروب الحديثة. والأهم من ذلك هو أن هذه العملية كشفت عن القصور العسكري للاتحاد السوفيتي، لا سيما قصور دفاعاته الجوية وعقيدته العسكرية، وأيضاً عتاده العسكري، إذ كانت أغلبية الأسلحة العراقية مشتريات سوفيتية. وكما كتب غراهام إي فولر، النائب السابق لرئيس “مجلس المخابرات الوطني” في “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية CIA في صيف عام 1991، “حتى في أفضل حال… لم يظهر الجيش السوفيتي بصورة جيدة في المواجهة.”

روسيا تدرس “حرب الخليج”

انتهت “حرب الخليج” في شباط/فبراير 1991، وانهار الاتحاد السوفيتي في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه – لكن الجهاز العسكري والأمني ​​السوفيتي أخذ دروس عملية “عاصفة الصحراء” على محمل الجد. فدرس هذه الدروس وناقشها بشكل مكثف. وبعد كانون الأول/ديسمبر 1991، لم يستطع الكثيرون أن يتخطوا خسارة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة.

ومن جهتها، ظلت القوات العسكرية الروسية تعاني من عدة مشاكل في التسعينيات وأوائل القرن الواحد والعشرين. ولكن بعد أدائها المحرج بشكل خاص في الحرب الروسية الجورجية في آب/أغسطس 2008 (انتصرت روسيا في النهاية، ولكن بصعوبة كبيرة، على خصم أصغر منها بكثير)، باشرت القوات العسكرية الروسية بسلسلة من الإصلاحات الشاملة. بينما فشلت جهود الإصلاح السابقة، إلّا أن المحاولة الأخيرة بدأت تفضي إلى نتائج حقيقية مع الوقت. وكما كتب ديمتري (ديما) آدمسكي، عالجت الإصلاحات المشاكل التي توضّحت في حرب جورجيا من خلال استخدام “ثورة تكنولوجيا المعلومات في الشؤون العسكرية”. وأضاف آدمسكي قائلاً: “الهدف من الإصلاحات الروسية منذ ذلك الحين هو إعادة بناء الجيش التقليدي وتطويره ليعتمد نموذجاً مثالياً يمزج بين الاستطلاع وإطلاق النار”.

أما فلاديمير بوتين، وهو الذي اشتهر بأسفه على تفكك الاتحاد السوفيتي، واصفاً إياه بأعظم مأساة شهدها القرن العشرين، فقام إلى جانب أولئك المتواجدين في دائرته، بدراسة سقوط الاتحاد السوفيتي بعناية واستخلاص عدة دروس. وعلى مر السنين، درس المحللون العسكريون الروس على نطاق واسع العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة، وخاصة في الشرق الأوسط وكوسوفو. وفهموا أنهم خسروا في أعظم معركة جيوسياسية في القرن العشرين أمام خصم متفوق تكنولوجياً وظّفَ بشكل تشغيلي عمليات سيبرانية وجوية وفضائية من أجل تحقيق آثار استراتيجية حاسمة على الارض. ولكي تستعيد روسيا دورها كقوة عظمى، توجب عليها أن تعالج مكامن الضعف والخلل الخاصة بها، ولا بد من عودتها بطريقة أو بأخرى، إذ أن روسيا دولة “محكوم عليها” بأن تكون قوة عظمى، وفق العبارات الشهيرة لوزير الخارجية الروسي السابق أندريه كوزيريف.

وهكذا حصل – ببطء في البداية ثم دفعة واحدة، إذا ما أعدنا صياغة كلمات إرنست همينغوي، وبعد تنفيذ تحسينات عسكرية متواصلة وُضعت أسسها في منتصف الثمانينيات في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات التي قادها المارشال السوفيتي نيكولاي أوجاركوف، أخذت موسكو تنهض من جديد. وساعدت الدروس المستفادة من عملية “عاصفة الصحراء” في تطوير نموذج الاستطلاع وإطلاق الضربات الحالية الذي تعتمدها روسيا. وعكست المشتريات العسكرية الروسية وبرنامج التدريبات الوطني الواسع النطاق والمزدهر في روسيا على مر السنين تحولاً نحو تركيز الاهتمام بشكلٍ أكبر على ما سُمّيَ بحرب الفضاء الجوي، التي شددت على تطوير ما يُدعى نُظُم “القيادة والسيطرة والحواسيب والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع” التي دمجت أنظمة توجيه ضربات نارية دقيقة بعيدة المدى. وساهمت الخبرة التي اكتسبتها موسكو في الشيشان، حيث تعلمت أنه يجب أن تهيمن على سردية المعلومات، وإدراكها أن هزيمة العمليات الجوية والفضائية الأمريكية تتطلب جهوداً ملحوظة للسيطرة على الطيف الكهرومغناطيسي، في تطور طريقة الحرب الروسية.

وبحلول عام 2015، حين تدخلت روسيا في سوريا، وللمرة الأولى، أظهرت موسكو عناصر عسكرية شبيهة بعملية “عاصفة الصحراء”، مع التركيز على الضربات الدقيقة المتعددة المجالات (في الجو وعبر سفن السطح والغواصات والقوات البرية) التي دعمتها العمليات الحربية المعلوماتية والإلكترونية. وأعلنت حملتها العسكرية للعالم أن الجيش الروسي التقليدي تطور من ماضيه السوفيتي وأصبح يمتلك الآن بعض القدرات المناظِرة للولايات المتحدة. وكتب آدمسكي: “نظرت هيئة الأركان العامة إلى العملية في سوريا على أنها حقل تجارب لصقل قدرتها على دمج أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وأنظمة القيادة والسيطرة، وأنظمة إطلاق النار”. بعبارة أخرى، شكلت سوريا تجربة تعليمية تماشت مع الإصلاحات العسكرية الروسية. وإلى ذلك، قال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، إن الدروس المستفادة من سوريا ستساعد في الدفاع عن “المصالح الوطنية” الروسية وتعزيزها خارج حدود روسيا.

ويوضح المحلل المخضرم للجيش الروسي تيموثي توماس بأفضل صورة التطور الموصوف أعلاه. فكتب في تموز/يوليو-آب/أغسطس 2017، نقلاً عن مصادر عسكرية روسية، أن الفترة الأولية للحرب مهمة جداً و”ستتضمن عملية معلوماتية موجهة، وعملية حربية إلكترونية، وعملية فضائية جوية، ومضايقات مستمرة للقوات الجوية، واستخدام أسلحة عالية الدقة تُطلق من منصات مختلفة، ومدفعية بعيدة المدى، وأسلحة تستند إلى مبادئ فيزيائية جديدة”. ويقول الخبراء العسكريون إن هذا بالضبط ما حدث بشكلٍ عام في عملية “عاصفة الصحراء”. واختتم توماس بالقول إن المرحلة الأخيرة تتضمن استخدام القوات البرية “من أجل إخضاع الوحدات المتبقية أو الإطاحة بها، لا سيما من خلال استخدام العناصر البرية”. وسعت العقيدة والمشتريات العسكرية الروسية إلى تطوير العمليات وتوظيف قوة قادرة على شن الحرب بهذه الطريقة على مدى العقدين الماضيين.

كيف يمكن أن تتكشف عملية “عاصفة الصحراء” الروسية؟

يقودنا ذلك حالياً إلى أوكرانيا. فلا أحد يمكنه توقّع المستقبل، لكنّ الساحة جاهزة للسماح لموسكو بتنفيذ حملة طاقة فضائية مدفوعة بالتكنولوجيا، تدعمها الحرب المعلوماتية والسيبرانية من أجل تمكين حملة برية لاحقة يمكن أن تستولي على أجزاء من شرق أوكرانيا. وقد نقلت موسكو قواتها الحربية الجوية والصاروخية والإلكترونية من كافة قياداتها العملياتية المشتركة، بما في ذلك من الشرق الأقصى الروسي، ودمجتها على طول محيط أوكرانيا بأكمله. وبالتالي، فإن المهمة الأولى التي وصفها توماس – أي الحرب المعلوماتية والسيبرانية – هي بأقصى نشاطها. وتتناسب جهود روسيا الدبلوماسية المستمرة لتصوير نفسها على أنها مهددة ولا خيار أمامها، إلى جانب العمليات السيبرانية والمعلوماتية الأخيرة، مع نموذج توماس للحرب الروسية الحديثة.

وعلى الرغم من أننا لا نملك دليلاً قاطعاً على ذلك من الناحية الفنية، إلّا أنه يصعب علينا أيضاً أن نصدّق أن الكرملين لم يكن وراء الهجمات السيبرانية الأخيرة في أوكرانيا، حيث ندرك جيداً ما هي استراتيجيات موسكو وتاريخها في العمليات السيبرانية. وإذا كان الأمر كذلك، فالاستنتاج المنطقي هو أن ما سيتبع سيكون عمليات الحرب الإلكترونية وعمليات الفضاء الجوي. وتُهيّئ أنشطة موسكو على طول الحدود الأوكرانية مع بيلاروسيا والبحر الأسود لذلك بشكلٍ كافٍ. ومؤخراً، في 21 كانون الثاني/يناير، أعلن رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي فياتشيسلاف فولودين أن “مشاورات” ستجري في الأسبوع المقبل حول الاعتراف “باستقلال جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين في اقليم الدونباس المعلنتين ذاتياً” في شرق أوكرانيا.

ما الذي تريده روسيا؟

لم تكن العملية في سوريا تتعلق بسوريا حقاً، تقول Borshchevskaya ومن المنطلق نفسه، فإن الأحداث في أوكرانيا لا تتعلق حقاً بأوكرانيا. فكلاهما يتعلّق حول مراجعة الكرملين لنظام ما بعد الحرب الباردة بقيادة الولايات المتحدة وتعديله وفقاً لشروط موسكو. والآن، في أوكرانيا، عادت موسكو إلى نقطة البداية عند نهاية الحرب الباردة، وما اعتبرته إذلالاً لها ربما بدأ مع عملية “عاصفة الصحراء”، واستمر في نظر موسكو مع عمليات حلف “الناتو” في كوسوفو والاجتياح الأمريكي للعراق.

وإذا نفّذت روسيا الآن العملية العسكرية في أوكرانيا كما وصفتُها، فستُعلن للعالم أن روسيا هي قوة تقليدية مهيمنة، وليست قوة نووية فحسب. ويمكن أن يؤدي الاستخدام الاستراتيجي لهذه القوة إلى عزل أوكرانيا عن البحر الأسود، مما يجعلها غير قابلة للاستمرار اقتصادياً. كما سيبعث رسالة مفادها أن القوة هي أفضل طريقة لتحقيق الأهداف السياسية وإقناع قادة أوروبيين معينين بأن الوقت قد حان لإعادة التفاوض بشأن البنية الأمنية الأوروبية.

ويرى بعض المحللين إن بوتين لا يريد على الأرجح حرباً تقليدية كاملة مع أوكرانيا، وقد يكونوا على حق. لكنّ عملية “عاصفة الصحراء” تجنبت مثل هذا السيناريو وأسفرت عن خسائر في صفوف التحالف أقل بكثير مما كان يمكن لأي شخص توقعه، بسبب القيود المفروضة على تلك الحملة. والسيناريو الذي عرضتُه هو حملة محدودة. كما لم يحشر بوتين نفسه بالضرورة في الزاوية حيث لا خيار له سوى خوض الحرب، كما كتب مؤخراً ديفيد كرامر. ويُظهر أسلوب الحرب الذي يسلط توماس الضوء عليه أن أمام بوتين خيارات وفيرة قبل المباشرة بالأساليب التقليدية. وكما كتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على منصة “تويتر”، “ليست هناك عمليات توغل بسيطة”.

ما هي الخطوة التالية لروسيا؟

أرجو أن أكون مخطئة تقول Borshchevskaya، لكن المحللين العسكريين يشيرون إلى أن الحشد الروسي الحالي على طول حدود أوكرانيا يختلف عما سبقه، فهو أكثر جدية وشمولية إلى حد كبير، وتستخدم موسكو كافة أدوات الضغط والإكراه التي تمتلكها في ترسانتها.

لقد قادت سنواتٌ من التحليل غير الجاد واضعي السياسات الغربيين إلى مواساة أنفسهم بأن بوتين مجرد شخص انتهازي، لأنهم فشلوا في صياغة استراتيجيتهم الخاصة لردعه. وبالفعل، لم يدفع بوتين أبداً ثمناً حقيقياً لعدوانه، وبالطبع لم تنجح العقوبات وحدها في ردعه في ظل غياب تموضع القوات الجيوفضائية، على سبيل المثال، بشكل استراتيجي في أوروبا والشرق الأوسط. وشجّع الضعف الغربي على مر السنين بوتين بالاستمرار، فأولئك الذين رأوا أن القساوة هي تصعيدية جداً قد يرون قريباً ما حققه الضعف الشديد بدلاً من ذلك.

الاخبار العاجلة