صبرا.. هوية عصرنا حتى الأبد

19 سبتمبر 2021آخر تحديث :
صبرا.. هوية عصرنا حتى الأبد
صبرا.. هوية عصرنا حتى الأبد

بقلم : رمزي عودة   

تسعة وثلاثون عامًا مرت على مجزرة صبرا وشاتيلا، ففي 19 أيلول من العام 1982، إرتكبت قوات الاحتلال الاسرائيلي الغاشمة وحلفاؤها من المرتزقة أعتى مجزرة في تاريخ البشرية في القرن العشرين. حاصروا المخيمين على تخوم بيروت، وأطلقوا الرصاص على الهاربين، دخلوا البيوت بيتا بيتا، قتلوا الرجال والنساء والأطفال. عقروا بطون الحوامل، ووضعوا الأجنة بين أيدي الأمهات الشهداء في مشهد سادي أبكى حجارة صبرا، وأدمى قلب شاتيلا. 

حتى أطفالك يا صبرا وشاتيلا لم يسلموا من إرهاب الأعداء، قتلوا من شاهدوا منهم، وأحرقوا البعض الآخر داخل البيوت، ودفنوا المتبقين أحياء. ولم ينجُ منهم سوى قلة أعتقد الجنود المغتصبين أنهم حتما ميتون.
وبعد 48 ساعة من القتل والحرق، أفاق العالم على هول الكارثة، كانت روائح الجثث تنتشر في كل حارات المخيم، البيوت خالية تمامًا، وكأنما أصبح المكان أطلال قرية دمرتها قنبلة كبيرة جدًا من الكراهية والحقد والتمييز العنصري. استشهد أكثر من 3500 فلسطيني أعزل في المخيمين، كان غالبيتهم من اللاجئين الذين هربوا أصلاً من مخيم تل الزعتر الذي دمر عام 1976. لم تسعفهم أنات الجرحى، ولا دموع الشيوخ، ولا صراخ الأطفال والنساء.. قُتلوا فقط لأنهم فلسطينيون، فقط فلسطينيون لاجئون؛ كل ما يسعون إليه العودة إلى ديارهم وبيوتهم التي هُجروا منها عام 1948. 
ما زالت مشاهد الشهداء والثكلى لا تفارقني حتى بعد 39 عامًا من مجزرتك يا صبرا ويا شاتيلا. كنت حينها طفلاً لم يتجاوز العاشرة، كنا لاجئين نسكن في الكويت، ما زلت أذكر أمي وهي تنتحب حسرة على أرواح الشهداء.. لم نحتفل حينها في العيد. رفع آلاف الفلسطينيين هناك الرايات السود على مساكنهم وسيارتهم. لم يكن العيد حينها يعني لنا سوى الترحم على الشهداء وبكائهم، كان العيد وقتها يذكرنا أننا فلسطينيون مستهدفون حيث كنا. وأننا بحق نكره شهر أيلول!
أترانا ننساك يا صبرا ويا شاتيلا؟؟ أترانا ننسى جثث الشهداء المدفونة في مدافن جماعية؟؟ أترانا ننسى صوت الرضيع الذي خبأته أمه في “وعاء الطبخ” حتى لا تطاله بنادق الأعداء والخونة؟؟ أترانا ننسى دموع تلك الفتاة الناجية وهي تروي كيف قتل أبوها وأمها وإخوتها السبعة أمام عينيها؟؟.. أترانا ننسى شوارع المخيم وأزقته وبيوته الصغيرة جدا؟؟
لن ننسى، ولن نسامح، ما زلنا ننتظر محاسبة من ارتكب المجزرة. ما زلنا ننتظر تحقيق العدالة، قتلونا لأننا فلسطينيون، وتركوا القتلة يفلتون من العقاب، ما زلت يا صبرا في وجداننا أنشودة الحرية وضمير الفلسطيني الثائر. ما زلت فينا كما وصفك محمود درويش في قصيدة “مديح الظل العالي”: “صبرا.. تقاطع شارعين على جـسد، صبرا.. نزول الروح في حجر، وصبرا لا أحد، صبرا هوية عصرنا حتى الأبد”.

الاخبار العاجلة