هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة؟

2 أغسطس 2022آخر تحديث :
هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة؟
هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة؟
هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة؟

الكاتب: باسم برهوم   عندما اندلعت الحرب الأوكرانية في شباط/ فبراير الماضي، حبست البشرية أنفاسها، في الأيام والأسابيع الأولى كي لا تتطور إلى حرب عالمية ثالثة، أو حرب نووية تحرق الأخضر واليابس، وتعيد الإنسانية إلى عصر ما قبل الكهرباء، خصوصا أنها تصاحبت مع تهديدات فعلية باستخدام هذه الأسلحة، وما زالت التهديدات تتكرر بين الفينة والأخرى. وبالرغم من أن العالم قد نجح في حصر الحرب ضمن نطاق حدود أوكرانيا، وتحديدا في شرق وجنوب هذا البلد، فإن باب مخاطر توسيع الحرب لا يزال مفتوحا، لأنها أولا، تقع في القارة الأوروبية، القارة التي رسمت فيها الحدود بين الدول بالسيف والدم، واندلعت منها حربان عالميتان في النصف الأول من القرن العشرين، وثانيا، أن الحرب لم تنته كما أن تداعياتها على العالم تزداد قسوة.

توتر كبير آخر يشهده العالم في أقصى الشرق، والذي لا يقل خطورة عن الأول، هو الحاصل بين الصين والولايات المتحدة الأميركية حول جزيرة تايوان، والذي قد يتحول إلى صراع مسلح كبير في أية لحظة، إذا ما أخطأ أحد الطرفين الحسابات، أو ارتكب أحدهما الخطأ المميت بإطلاق أول رصاصة.

حرب عالمية ثالثة

هاتان النقطان الساخنتان ليستا الوحيدتين اللتين قد تقودان العالم نحو حرب عالمية ثالثة، فهما مجرد انعكاس لصراع أعمق وأعقد على النفوذ، ويشمل السياسة والاقتصاد وبناء التحالفات وإعداد الجيوش وتطوير الأسلحة واحتكار أكثر التكنولوجيات تطورا في مجال الذكاء الاصطناعي. باختصار، فإن ما تشهده الساحة الدولية، هو عملية استعراض للقوة، لم يسبق لها مثيل منذ انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب في مطلع تسعينيات القرن العشرين.

تاريخيا وعلى مدى العصور، منذ أن ظهرت الإمبراطوريات، ضمن الحضارة الإنسانية، لم يصمد لفترة طويلة نظام دولي تحكم فيه قطب واحد بالعالم، كان هناك إمبراطورية قوية وأخرى صاعدة تزاحمها على النفوذ، أو أن تكون الإمبراطوريات موجودة في وقت متزامن وتتصارع على النفوذ، والأمثلة كثيرة منذ العصور القديمة. فقد كانت هناك مصر الفراعنة العظيمة، يقابلها إمبراطوريات بلاد ما بين النهرين (العراق)، ولاحقا وليس حصريا، بدأ الصراع بين الإمبراطورية الفارسية في الشرق مع الإغريقية والرومان في الغرب، وجاءت الإمبراطورية العربية لتمد نفوذها على حساب الإمبراطوريات القديمة..وهكذا تصعد قوة دولية وتأفل أخرى.

سياسة التعاون والتحالف مع واشنطن

اليوم، هناك الولايات المتحدة الأميركية، والتي تهيمن على النظام العالمي منفردة منذ أكثر من عقدين، أوروبا، والمقصود دول الاتحاد الأوروبي، كانت وما زالت تتبع سياسة التعاون والتحالف مع واشنطن في كثير من المواقف والقضايا، لكنهما يتنافسان اقتصاديا من تحت الطاولة. روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه وتفكك المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو، تراجع دورها على الساحة الدولية لأكثر من عقد ونصف العقد، لكنها تحاول اليوم أن تدافع عما تراه أنه مداها الجيوسياسي وأن تؤسس لنفسها مكانة، أو مقعدا بين الكبار من جديد.

أما المارد الاقتصادي وحتى العسكري الذي بات بالفعل يهز عرش الولايات المتحدة وبدأت تحسب له ألف حساب هو الصين، فهذه الأخيرة تهدد بالفعل عرش واشنطن ومركزها الأول اقتصاديا، ويقدر بعض الخبراء أن المسافة الزمنية التي تفصل الصين عن تبوء المقعد الاقتصادي الأول هي عقد، أو عقد ونصف العقد. ومن تابع صعود الصين فإنه يكتشف أنها وفي مطلع الألفية الراهنة، كانت تقبع في المقاعد الخلفية وراء اليابان، وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وحتى خلف دولة كالبرازيل، ويفصلها عن الناتج القومي الأميركي ما لا يقل عن 20 تريليون دولار، لكنها وخلال عقد من الزمان أصبحت الاقتصاد الثاني عالميا، وتملك من المقدرات ما يجعلها تنافس على المركز الأول. وما يجعل الصين منافسا أيضا هو تطويرها المتسارع لقواتها المسلحة برا وبحرا وجوا، هذا بالإضافة إلى تطورها الملحوظ والمنافس تكنولوجيًا.

سبات عسكري طويل

من دون شك، أننا نعيش في لحظة تاريخية صعبة ودقيقة نشهد خلالها المزاحمة والمنافسة قد وصلت إلى لحظة استخدام القوة، أو أنها على وشك استخدامها في السنوات القادمة، وقد تبادر إليها القوة المهيمنة الآن، والمقصود الولايات المتحدة الأميركية أو القوى الصاعدة، وخصوصا الصين. حتى أوروبا (الاتحاد الأوروبي) وبعد سبات عسكري طويل، بدأت اليوم تفكر بتطوير قدراتها العسكرية، خصوصا بعد الحرب الأوكرانية، ونلاحظ على سبيل المثال، بلدا مثل ألمانيا، التي كانت حذرة جدا في المجال العسكري، تقرر اليوم رصد مئات المليارات من اليوروهات لإعادة بناء جيشها وقدراتها العسكرية.

هناك لغة خطيره تسود العالم مؤخرا، لغة لا تتحدث إلا عن القوة، ووكالات الأنباء تعج بأخبار حول تطوير كل طرف لأسلحته، نحن من دون شك نقترب أكثر وأكثر من حرب كبرى ترسم مجددا ميزان قوى جديدا، يتبعه تشكل نظام دولي يحتل فيه المنتصرون كما جرت العادة الصدارة. ولكن مشكلة هذه الحرب أنها قد تتحول إلى حرب نووية في أية لحظة لأن الكبار المتنافسين يملكون أكثر من 14 ألف رأس نووي، وهي كفيلة، إن تم استخدام نصفها فقط، أن تعيد البشرية مئات السنين إلى الوراء.

أزمة الصواريخ الكوبية

احتمال استخدام الأسلحة النووية كان احتمالا موجودا منذ الحرب الباردة، وجميعنا نذكر أزمة الصواريخ الكوبية، التي كادت تشعل حربا نووية بين واشنطن وموسكو في مطلع ستينيات القرن العشرين، ولكن كان العقل والحكمة هما اللذان سيطرا في النهاية ومنعا استخدام هذه الأسلحة المدمرة، والتي يكون فيها المنتصر خاسرا أيضا، هذا الاحتمال عاد للظهور بقوة في سياق المحاولات لإعادة تركيب نظام دولي جديد.

إن ما تحتاجه البشرية هو الحوار وليس الحرب، حوار يستند إلى مبدأ توازن المصالح وليس الصراع على المصالح والهيمنة، حوار يكرس العلم والتطور التكنولوجي لمصلحة رخاء العالم لا خرابه. ولعل الدول الكبرى قبل غيرها تدرك أن أي حرب قادمة لن يحصد مشعلوها سوى الدمار والخسارة. ولعل البداية مرة أخرى هي أن نكون حكماء وعقلانيين، وإنسانيين قبل كل شيء، والبداية في أن ننبذ فكرة اللجوء للقوة في حل النزاعات، وأن يحصل كل طرف على مساحته الجيوسياسية ضمن معادلة عدم التمدد على حساب الآخرين.

ولكن تبقى الحقيقة مرة, والخوف أن تكون الحرب قد أصبحت ما يشبه الضرورة في نظر الكبار أو أنها قدر محتوم، هذا ما يوحيه الواقع الدولي مع الأسف، ولكن قد يكون الرادع، السلاح النووي ذاته، كما حصل طوال عقود الحرب الباردة، ولكن ولأن البشرية نادرا ما تتعظ من تجارب الأجيال السابقة، ولأن الحروب تندلع أحيانا لأسباب تافهة، فإننا يجب أن نبقى يقظين ونحاول بقدر ما نستطيع ألا ننزلق نحو الحرب، والتي ما إن تقع وتنتهي حتى يدرك الجميع أنها كانت بشعة جدا، وفي زمننا هذا فإن الحرب أي حرب ومع ما تمتلكه الدول الكبرى من أسلحة فتاكة ستكون وحشية ومدمرة أكثر مما نتخيل … فهل يرتدع العالم؟.

الاخبار العاجلة