هل يولد الإنسان عبقريا أم أن العبقرية يمكن تعلمها؟

10 يونيو 2020آخر تحديث :
هل يولد الإنسان عبقريا أم أن العبقرية يمكن تعلمها؟

تبدو لاعبة الجمباز الأمريكية، سيمون بايلز، كما لو كانت تتحدى الجاذبية أثناء اللعب، بينما استطاع السباح الأمريكي، مايكل فيلبس، حصد 23 ميدالية ذهبية أولمبية، وسجل العداء الجاميكي، يوسين بولت، العديد من الأرقام القياسية العالمية، وفازت لاعبة التنس، سيرينا ويليامز، بأول بطولة كبرى لها وهي في سن 17 عاما.

يدفع نجاح هؤلاء النخبة بعضنا إلى الاعتقاد بأن المرء يجب أن يتحلى بموهبة أو يتمتع بقدرات لا يمكن تعلمها.

ولكن ماذا يقول العلم؟ وهل يمكن أن تكون المواهب الفطرية مجرد أسطورة؟

لا يولد أحد بمهارات

يقول بعض الباحثين إن أحدا لا يولد جراحا للمخ أو عازفا لآلة تشيلو أو بطلا رياضيا، إذ يتطلب الأمر بذل جهود مضنية وممارسة جادة، كما أنها مسألة معقدة.

وأظهرت دراسة تناولت طائفة واسعة من المجالات أن الكثيرين لا يخفقون فقط في أن يصبحوا مهرة في شيء ما، بل لا يتحسنون في كثير من الأحيان مقارنة بقدراتهم عندما بدأوا أول مرة.

ويقول أندرس إريكسون، أستاذ علم النفس: “إذا كنت ترغب في ممارسة لعبة التنس على سبيل المثال، فأنت تحصل على بعض الإرشادات حتى تصل في النهاية إلى مرحلة يرغب فيها آخرون اللعب معك، ويبدو أنهم في هذه المرحلة قد أصبحوا أقل إدراكا لما يفعلونه”.

ويعتقد إريكسون أن هؤلاء الأشخاص ينتهي بهم الأمر بعد ذلك إلى الحفاظ على قدراتهم دون السعي إلى تحسينها.

ممارسة هادفة

يصف أندرس إريكسون وروبرت بول، في كتاب بعنوان “ذروة”، مفهوما جديدا يفسر أداء النخبة، أطلقوا عليه اسم “الممارسة الهادفة”، وهو نوع خاص من الممارسات التي تتسم بالمنهجية ومحددة الهدف.

ويتطلب الأمر اهتماما مركزا، ويمُارس بهدف محدد لتحسين الأداء.

فرق رئيسي

توجد عدة أشياء تجعل الممارسة الهادفة تختلف عن الممارسة المعتادة، إذ تقتصر الممارسة الهادفة على المجالات التي تتميز بوجود معرفة تراكمية تُبنى من خلال أنشطة تدريب فعالة.

كما تنطوي الممارسة الهادفة على وجود معلم أو مدرب، ويتطلب الأمر مراجعة فورية قابلة للتنفيذ.

ويقول إريكسون إنها “مختلفة تماما عن فكرة الممارسة الفطرية التي تسعى من خلالها إلى بذل قصارى الجهود مستعينا بما لديك من مهارات، إذ تحدد بالفعل هدفا مختلفا تماما عما تفعله حاليا، ولتحقيق ذلك، يجب عليك أن تدفع نفسك إلى أقصى درجة تجعلك قادرا على التمدد تدريجيا لتحقيق هذا الهدف الجديد بمهارة”.

وبناء عليه لا يتعلق الأمر بالكم الذي تمارسه لأداء مهمة، بل بالكيفية التي تؤدي بها المهمة، مما يعني أن أي شخص يتدرب بطريقة صحيحة يمكنه تحقيق مستوى عال من النتائج.

بيد أن الممارسة الهادفة تتسم بالصعوبة، فهي متكررة ومملة للغاية، لذا لا يقدم على ممارستها كثيرون، بل إن معظمنا يفضل أن يسلك الطريق السهلة والاكتفاء بذلك.

قوة الدماغ

يوجد تصور شائع بأن تحقيق إنجاز كبير يتطلب وجود قدرات طبيعية أو كفاءة مثل معدل ذكاء مرتفع أو ذاكرة بشرية فائقة.

وساد اعتقاد في القرن العشرين بأن القدرة على تذكر معلومات مطروحة بسرعة هي قدرة محدودة، لا يمكن تحسينها من خلال التدريب.

وأجرى إريكسون دراسة عام 1975 دحضت هذا الاعتقاد.

وأظهرت نتائج الدراسة أن طالبا جامعيا نموذجيا استطاع تحسين قدرته على تذكر تسلسل عشوائي من الأرقام، من حوالي سبعة أرقام إلى أكثر من 80، بعد أن قضى مئات الساعات في التدريب على ذلك خلال عامين.

وكان الإنجاز الذي حققه الطالب مهما لأنه، على الرغم من قدرته على تعلم 82 رقما بالترتيب بحلول نهاية التجربة، لا يوجد ما يشير إلى أن الطالب وصل إلى الحد النهائي لتحسين مهارة ذاكرته بالممارسة.

تطوير الطريقة

يقول إريكسون: “كان الشيء الأكثر أهمية هو أننا وجدنا أن الطريقة التي كان يشفّر بها الأرقام ويتذكرها بها تغيرت بشكل أساسي مع الممارسة، فبدلا من مجرد التدريب عليها، وقولها مرارا وتكرارا، حتى يتذكرها، كان قادرا على ترميزها وربطها بمعرفة”.

واستطاع الطالب، على مدار عمله اليومي، أن يتعلم تسلسل أرقام أطول بكثير مقارنة بمعظم الأشخاص.

وقال إريكسون: “في هذه الحالة كان (الطالب) بمثابة عداء، فكر بالفعل في نوع المجموعات الرقمية المكونة من ثلاثة أرقام…، لقد تبين من ذلك أن هذا العامل المحدود للذاكرة يمكن تحسينه بالفعل”.

عوامل محدودة

هل يوجد شيء يعرقل تحقيق أداء استثنائي؟

يقول إريكسون وبول إنه باستثناء الطول وحجم الجسم، فإن فكرة أننا محددون بعوامل وراثية هي مجرد أسطورة لا تفيد.

وأضافا أن الحالة الخلقية والجسدية والعقلية والصحية إلى جانب الأمراض أو الاضطرابات تمثل بعض القيود الواضحة.

بيد أن الصحة البدنية وإن كانت ممتازة جدا، فإن الجوانب الجسدية الأخرى مثل الطول أو حجم الجسم تسهم أيضا في تحديد قدرتك على تنفيذ المهام.

مواهب الطفولة

تحدث روبرت بلومين، في كتابه بعنوان “مخطط”، عن المواهب وجعلها تتأثر بالحمض النووي لدينا، وقال إن العوامل الوراثية يمكن أن تؤثر على قدرة الشخص لكي يصبح بطلا.

ويبرز سؤال: ما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟

يقول إريكسون: “يتعجب الناس من قدرة (الموسيقار) موتسارت و( لاعب الغولف) تايغر وودز على تحقيق مثل هذا الأداء عالي المستوى في سن صغيرة. إذ يبدو من المستحيل تقريبا أن يفسر التدريب ذلك، لكن إذا نظرنا بعين الدقة، سنجد أنه في جميع هذه المواهب، كان أحد الوالدين يساعد الطفل، ويبدأ ذلك غالبا في سن عامين أو ثلاثة أعوام”.

ويضيف أنه وراء قصص النجاح الباهرة يكمن جهد شاق بذله آباء تمتعوا بمهارات كافية لمساعدة طفلهم.

ويقول إريكسون: “من الواضح أن هذه المواهب هي نتاج نوع من التدريب تحت إشراف معين، ساعدهم على تحقيق المهارات التي ظهرت في وقت لاحق في سن مبكرة جدا”.

ويقول: “إذا نظرنا بالفعل إلى ما كان يستطيع موتسارت أن يعزفه وهو طفل، سنجد أن هذا النوع من التدريب يساعد الأطفال العاديين على اكتساب القدرة على العزف، ليس فقط تلك المقطوعات الموسيقية التي عزفها موتسارت، بل وحتى مقطوعات أكثر تعقيدا”.

وبغض النظر عما تعتقده، فإن ثمن هذه المواهب باهظ للغاية، ومن الواضح أن أولئك الذين يصلون إلى هذه المستويات الفائقة من الأداء هم أولئك الذين يرغبون في التضحية بكل شيء ودفع ثمن ذلك.

الاخبار العاجلة