التعليم على مقاعد تحترق

20 سبتمبر 2022آخر تحديث :
التعليم على مقاعد تحترق
التعليم على مقاعد تحترق

الكاتب: د. رمزي عودة – لم تتمالك نفسها حينما رسبت في امتحان القضية الفلسطينية، نسفت دموعها كبرياءها،

وبرّرت لي قائلةً “كيف لي أن أدرس المساق وقد هدم الإسرائيليون بيتنا البارحة للمرة الثالثة في سلوان!” .

حينها فقط أدركت مدى عجزنا في الجامعات، وتساءلت في نفسي عن أي تعليم نتحدث في ظل الاحتلال؟.

ماذا تقدم الجامعات لهؤلاء الثكالى؟ يدربوننا على كيفية التعامل مع الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة،

ولكنهم أبدا لم يدربونا على كيفية تعليم هؤلاء الطلبة الذّين دمرت بيوتهم

أو الذّين استشهد رفاقهم أو الذّين تعرضوا للتنكيل من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين.

هذه الحالة تتكرر وتذكرنا في كل مرة بالحسرة والعجز، فما زالت صورة الطفل أحمد مناصرة الذي تعرض ولا يزال،

للتعذيب أثناء الاعتقال ماثلةً أمامنا؛ وهو يقول للمحقق بأنه لا يتذكر شيئا! مسحوا ذاكرته وحبسوه منفرداً،

ولم يعد يدرك شيئاً مما يدور حوله. هل ننسى دموع الطفل من عائلة الرجبي وهو يشاهد قوات الاحتلال

تهدم منزله في القدس! هل ننسى الطفلة يارا الرجبي وهي تعلن متحديةً صولجان الاحتلال بأنها لن تخاف منه

حتى لو هدم منزلها! هل ننسى الطفل في مسافر يطا وهو يتجول حافي القدمين باكياً يبحث عن ألعابه

وحقيبته المدرسية في حطام منزله أو سقيفته التي هدمها الاحتلال! هل ننسى خوف الطفلين اللذين احتجزهما الاحتلال

مع ذويهما في قرية كيسان لساعات طويلة دون أن يقترفا شيئا! هل ننسى أطفالنا في البلدة القديمة في الخليل

التفتيش القسري

وهم يتعرضون للتفتيش القسري أثناء ذهابهم إلى مدارسهم! هل ننسى أطفال غزة وهم يحترقون

ويقتلون من جراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على بيوتهم ومدارسهم! ما زال شاخصاً في أذهاننا ذلك الطفل

الذي لحق بجنازة والده الشهيد وهو يودع جثمانه قائلاً “الله يسهل عليك يابا”.

لن ننسى ذلك الطفل الذي أصيب بشظايا الصاروخ الإسرائيلي في غزة، وألحق به آلاماً لا تُحتمل، حينما قال لأحد الصحفيين

“نفسي أطلع بره علشان أتعالج وأطلع ألعب مع أصحابي زي قبل”. ها هو حال أطفال فلسطين وطلابها يا سادتي…

غالبيتهم يتعلمون في المدارس والجامعات ولكنهم يتعلمون على مقاعد تحترق!

اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات

في اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات والذي صادف التاسع من أيلول الجاري، رصدت التقارير الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية

حالةً يرثى لها عن انتهاكات الاحتلال ضد التعليم في فلسطين في عام 2021، حيث ترتب على هذه الانتهاكات استشهاد 16 طالباً،

منهم شهيدان في القدس، أحدهما من الكادر التعليمي والإداري ، كما اعتقل 121 طالباً منهم 7 طلاب من القدس،

ومنهم 31 من الكادر التعليمي والإداري، و جرح 3450 طالباً منهم 56 جريحاً في القدس، إضافة إلى 70 جريحاً

من الكادر التعليمي والإداري، و احتجز 423 طالباً، منهم 7 طلاب من القدس، علاوةً على تأخير ومنع الوصول لـ 6759 طالباً،

من بينهم 44 طالباً مقدسياً، مع فرض الحبس المنزلي على طالبين، وتأخير ومنع الوصول للكادر التعليمي لـ 983 حالة،

ما نتج عنه هدر تعليمي بلغ 5781 حصةً منها 1057 حصة في القدس. ورافق ذلك جملة من الاعتداءات على المدارس

شملت 10 إخطارات بالهدم ، منها إخطارا هدم في القدس، وبلغت المدارس المعتدى عليها 66 منها 14 مدرسة في القدس.

ليس هذا فحسب، فقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بإغلاق 6 مدارس فلسطينية في مدينة القدس الشرقية

بحجة أن مناهجها تشتمل على التحريض على الاحتلال وتمجيد مقاومة الشعب الفلسطيني. وبعد هذا الكم الهائل

من جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد النظام التربوي الفلسطيني، يتم اتهامه من قبل الدوائر الإسرائيلية والغربية

بالتحريض ضد الاحتلال!. وكأنما يعتبر التحريض ضد الاحتلال جريمة في الوقت الذي يتم فيه التغافل عن الاحتلال نفسه

وعن جرائمه بحق الشعب الفلسطيني بشكل عام، وبحق المنظومة التعليمية بشكل خاص. بالمقابل،

وفي ظل الصمت الدولي، تقوم قوات الاحتلال بتهويد النظام التعليمي في القدس الشرقية،

وتتضمن مناهجها المدنية والدينية شتى أنواع التحريض والتمييز ضد العرب!

آليات الحماية الدولية للنظام التعليمي في فلسطين

لقد آن الأوان لتعزيز آليات الحماية الدولية للنظام التعليمي في فلسطين، وآن الأوان لقيام المجتمع الدولي بوقف الإجراءات الإسرائيلية

بإغلاق المدراس العربية في القدس الشرقية باعتبارها إجراءات تتنافى مع القانون الدولي. وآن الأوان لكي يعترف المجتمع الدولي

بحقنا في تعليم أبنائنا الطلبة روايتنا التاريخية والنضالية ضد الاحتلال، وآن الأوان أن يُساءل الاحتلال على جرائمه ضد طلابنا الفلسطينيين.

وآن الأوان أن تضع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي أنظمة للتمييز الإيجابي لصالح الطلبة الذين تعرضوا لجرائم ضد الإنسانية

من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين. وفي النتيجة، فإن التعليم في فلسطين مستهدف من قبل قوات الاحتلال،

ونحن بالمقابل لن نستطيع مقاومة هذا الاحتلال إلا بتحسين وتطوير المنظومة التعليمية. وفي السياق،

صحيح أن أبناءنا يتعلمون على مقاعد تحترق، ولكنها حتماً ستحترق في وجه الاحتلال.

الاخبار العاجلة